الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بيان من ينال الشفاعة من أمته ÷]

صفحة 606 - الجزء 2

  تستوي حسنات المكلف وسيئاته عند البعض، وإذا كان كذلك صحت الشفاعة (لمن ورد العرصة) أي: عرصة المحشر، وفي بعض النسخ: الأرضة (وقد استوت حسناته وسيئاته، فيشفع له النبي ÷) فيدخل الجنة ويكون من أهلها بشفاعته ÷، وهذا حسن لا شك فيه؛ إذ قد صار حال من استوت حسناته وسيئاته وتساقطا كمن استوى دينه وحاله فصار مستحقاً للصدقة والتفضل عليه، فبطل قولهم: لا ثمرة للشفاعة لغير أهل الكبائر.

  وأما قوله #: (ليرقى درجة أعلى من درجة غير المكلفين من الصبيان والمجانين) فلم يظهر لي وجهه؛ لأن فيه نظراً⁣(⁣١) من وجهين:

  أحدهما: أنه قد ثبت أن الصبيان والمجانين في الجنة، وأن لهم الأعواض الجزيلة على آلامهم وأمراضهم وألم الموت، بل للمجنون من الأعواض على سلبه العقل وفوات النفع به وبالتكليف الذي هو لازمه من العوض ما لا يقدر قدره، ومن استوت حسناته وسيئاته فدخل إحباط أعواضه في مقابل ارتكاب السيئات حتى صار حاله عند ورود⁣(⁣٢) العرصة كحال المفلس فلا يستحق جنة ولا ناراً⁣(⁣٣)، فالشفاعة في حقه إنما هي ليدخل الجنة لا ليرقى درجة فوق درجة الصبيان والمجانين مما يحتاج إلى دليل، فإن ورد في السمع ما يدل عليه فهو المقدم، وإلا فالدلالة العقلية تقتضي العكس؛ لأن من استوت حسناته وسيئاته مع كون أعواضه قد أحبطت، وأعواض الصبيان والمجانين لا محبط لها - يستوجب أن تكون درجة الصبيان والمجانين فوق درجة من استوت حسناته وسيئاته، ولأن الجميع والله أعلم يصيرون في الجنة أبناء ثلاث وثلاثين سنة،


(١) في المخطوط: نظر.

(٢) في المخطوط: ورد، وما أثبتناه من المختصر.

(٣) في المخطوط: ولا نار.