الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الأدلة على أن الشفاعة لا تكون لأهل الكبائر]

صفحة 608 - الجزء 2

  وقد ذكر السيوطي من ذلك في الدر المنثور أحاديث كثيرة.

  وقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}⁣[الضحى ٥] وردت أحاديث أنه يقال له ÷ يوم القيامة: «سل تعطَ، واشفع تشفع». والأحاديث الدالة على ثبوت الشفاعة لمن فعل طاعة مخصوصة، وعلى حرمانها على من فعل معصية مخصوصة، كل ذلك يدل على ثبوت الشفاعة من حيث هي، وهو إجماع الأمة على ثبوتها على الجملة، فلا يلتفت إلى ما يحكى عن المطرفية؛ لحدوث مذهبهم بعد إجماع الأمة على ثبوت الشفاعة قبلهم وبعدهم، (وقال ÷: «من كذب بالشفاعة لم ينلها يوم القيامة» أخرجه⁣(⁣١).

[الأدلة على أن الشفاعة لا تكون لأهل الكبائر].

  ثم أخذ # في الاستدلال على أن الشفاعة لا تكون لأهل الكبائر بقوله: (وأما أنها تكون لمن ذكرنا) وهم المؤمنون، ومن استوت حسناته وسيئاته، دون أهل الكبائر (فلقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}) [غافر ١٨]، والحميم: هو الصديق المشفق، فنفى سبحانه أن يكون للظالمين شفيع يجاب إلى شفاعته، «والظالمون» جمع معرف بالألف واللام، فيعم كل ظالم، فيدخل فيه أهل الكبائر من هذه الأمة، «وشفيع» نكرة في سياق النفي، فيعم كل شفيع، فتنتفي الشفاعة عن كل شافع لكل ظالم. وما قيل من أن الطاعة تقتضي الرتبة، فالمعنى: ما للظالمين من شفيع له رتبة عَليَّة على المشفوع إليه، وهو مسلم مردود بأن هذا لا معنى له؛ إذ ذلك معلوم عقلاً، ولأنا لا نسلم أن الطاعة تقتضي الرتبة دائماً أينما وردت، بل قد تجيء في مواضع بلا رتبة، كما قاله العباس لرسول الله ÷: إن ربك ليطيعك، فقال: «يا عم، وأنت لو أنت أطعته لأطاعك»، فالمعنى يستجيب 


(١) يوجد بياض في المخطوطة. والحديث أخرجه الشهاب القاضي في مسندة، وابن أبي حاتم في علل الحديث، والدارقطني في العلل.