الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة مقدور بين قادرين فأكثر]

صفحة 122 - الجزء 1

  على كل شيء، فأمَّا تعليلهم إحالة ذلك بأنه إنْ فَعَلَهُ زيد فهو فِعْلُهُ، فصدورُ ذلك الفعل من جهة الله تعالى مستحيل، وإنْ فَعَلَهُ الله تعالى فهو فِعْلُهُ تعالى، فصدورُ ذلك الفعل من زيد مستحيلٌ - فأمرٌ وراء ذلك؛ لأن الفعل بعد صدوره وانقضائه مستحيل بكل حال، فلا وجه لقولهم: إن الله تعالى لا يقدر عليه وإنما يقدر على جنسه وعلى مثله؛ لأن ذلك جار فيما فعله زيد، فإنه بعد أن يفعلَ الفعل يستحيل عليه أن يفعل عين ذلك الفعل، وإنما يقدر على جنسه وعلى مثله، فتبين لك بهذا أن ذات الفعل الذي يقدر عليه زيد هو مقدور لله تعالى.

[مسألة مقدور بين قادرين فأكثر]:

  وأما الطرف الثاني: وهو مسألة مقدور بين قادرين فأكثر، فإن عُنِيَ بذلك وأُرِيدَ به مقتضى اللفظ والعبارة فلا يسلم إحالته؛ لأن كتابة ونقل ما ذكر في المثال مقدورٌ لله ومقدور لزيد ومقدور لعمرو ولغيرهما من سائر القادرين. وإن أُريدَ به مفعول من فاعلين على سبيل الاشتراك فلا تسلم الإحالة، بل ذلك ممكن عقلاً ضرورة بأن يمتلكا قلم الكتابة معاً ويكتبا ذلك من أول حرف إلى آخر حرف، أو يمسكا الحجر معاً ويرفعاها في حالة واحدة. وإن أُريدَ على سبيل الاستقلال بأن يُوجَدَ ذلك الكَتْبُ والنقلُ جميعه من زيد فوجوده من عمرو قبل ذلك ممكن؛ لأنه مقدور له، وحال فعل زيد له مستحيل على عمرو، وبعده مستحيل عليهما جميعاً، فمَن قال: مقدور بين قادرين ممكن - كصاحب الأساس وشارحه @ وغيرهما - أراد به الصورة الأولى، وهي ما إذا كان على سبيل الاشتراك، وكذلك إذا أراد عمرو فعل ذلك قبل أن يفعله زيد، فإنه قبل ذلك مقدور لهما ولغيرهما كما عرفت. ومن قال: مقدور بين قادرين محال - كالمهدي # وغيره - فمراده على سبيل الاستقلال، فحال وجود الفعل من زيد أو عمرو فإنه يستحيل عند ذلك فعله على الآخر، وبعد وجوده مستحيل عليهما معاً وعلى غيرهما كما عرفت؛ لأنه من باب تحصيل الحاصل.