[الزامات: من جهة العقل في مسألة الشفاعة]
  ويقال أيضاً: ما تقولون في رجل حلف ليفعلن ما يوجب له الشفاعة، أيؤمر بالبر والإحسان؟ وافقتم قرناء القرآن. أم بالفجور والطغيان؟ خالفتم أوامر الرحمن، وتابعتم أوامر الشيطان.
  قالوا: الشفاعة لا تستعمل إلا في دفع الضرر، ولا تستعمل في جلب النفع.
  قلنا: بل هي في أصل اللغة تستعمل في الطرفين، لكن السمع ورد في منعها عن الفساق، وقصرها على المؤمنين؛ زيادة في إكرامهم وإعظامهم، ولمن استوت حسناتهم وسيئاتهم؛ تفضلاً عليهم ورحمة بهم؛ لأنهم لما لم يكونوا فساقاً لم يكن مانع من الشفاعة لهم.
  ومما يدل على أن الشفاعة تستعمل في جلب النفع قول الشاعر:
  فذاك فتىً إن جِئْتَهُ لِصَنيعةٍ ... إلى ماله لم تَأْتِهِ بشفيع
  وقول الآخر:
  أتينا سليمانَ الأميرَ نزوره ... وكان فتىً يؤُوي ويُكرم زائرَه
  كلاً شافعي زواره من ضمَيره ... عن البخل ناهيه وبالجود آمره
  (وتم بذلك ما أردنا ذكره للمسترشدين؛ تعرضاً منا لثواب رب العالمين) وإنما خص المسترشدين بالذكر وإن كان الخطاب والاحتجاج موجهاً(١) إلى الجميع؛ لأن المسترشدين هم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فينتفعون به ويسترشدون بإرشاده، كما قال تعالى في وصف كتابه الكريم: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة ٢]، فإنه وإن كان هدىً للجميع من المتقين والمجرمين، لكن لما كان المجرمون لا يصغون إليه ولا ينتفعون به ولا يهتدون بهديه نزلوا منزلة من لا يهتدي به أصلاً، مع أنهم لو اهتدوا به لهدوا، فخص المتقين بالذكر لأنهم هم
(١) في المخطوط: موجه.