الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الجملة الأولى: تتعلق بالتوحيد]

صفحة 616 - الجزء 2

  لأجل علم قام به، وحي بذاته⁣(⁣١) لا لأجل حياة قامت به، وأنه يعلم المسموعات والمبصرات وجميع المدركات بذاته لا لأجل سمع وبصر قام به، ويريد الحسن ويكره القبيح لا لأجل إرادة وكراهة قائمتين به سبحانه وتعالى، وأنه أوجد القرآن وأحدثه من دون أن يكون معنى قائماً بذاته، بل هو فعل من جملة أفعاله تعالى، وكذلك سائر الكتب المنزلة والكلام القدسي.

  فينظر أي المذاهب المذكورة أقرب إلى الجملة المجمع عليها، ولا شك أنه ليس في كلام الأئمة ومن وافقهم ما ينقض شيئاً من تلك الجملة المتقررة بالاتفاق، لأن خلاصة كلامهم $ نفي قديم سوى الله تعالى، فيوافق⁣(⁣٢) أن لا إله إلا هو، وأنه غير محتاج إلى هذه المعاني، فيوافق أنه غني عن كل ما سواه، وتنزيههم له عن أن تحله المعاني موافق أنه واحد في ذاته، وأنه غير مركب من ماهيات مختلفة، وقولهم بحدوث القرآن موافق أنه من عند الله تعالى؛ لأن القديم ليس من عند أحد، وموافق لما هو المجمع عليه من أن كل شيء سوى الله تعالى مُحدَث، بخلاف قول المخالفين المذكورين فقد نقض كثيراً من تلك الجملة المجمع عليها.

  فقول المجسمة: «إنه تعالى جسم ذو أعضاء وجوارح» ينقض الأصل المجمع عليه من أنه تعالى قديم؛ لأن كل جسم محدث محتاج إلى فاعل يجعله على تلك الجوارح والأعضاء إن كان ذا جوارح وأعضاء، وإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن يحتاج إلى فاعل يفعله ومؤلف يؤلف ما اجتمع منه ويفرق ما افترق، وكل جسم محدَث، فينتقض الأصل المجمع عليه من أنه تعالى لا يشبه الأشياء ولا تشبهه؛ إذ قد صار جسماً مثلها مؤلفاً من جوارح وأعضاءٍ مخصوصة، تعالى الله عن ذلك.

  وكذلك قولهم هم والأشعرية بالرؤية يستلزم الحدوث والهيئة واللون


(١) في مختصر الكاشف الأمين: لذاته.

(٢) في مختصر الكاشف الأمين: فيوافق قوله تعالى: وأن لا إله إلاَّ هو.