[الجملة الثانية: تتعلق بالعدل]
  الأشعرية وسائر المجبرة قد هدم تلك الجملة ونقضها بأسرها؛ لأن قولهم: إنه تعالى خلق أفعال العباد وأرادها مع ما فيها من الظلم والكذب والعبث والسفه والكفر والفسق والعصيان ينقض كونه تعالى عدلاً حكيماً؛ لأن العدل الحكيم لا يفعل شيئاً من ذلك، ولهذا لا يعود الجرح لعدالة أحد والحكم بعدمها إلا إلى فعل شيء مما ذكر، فكيف باجتماع الجميع في فاعل واحد؟ وكذلك ينقض الأصل المجمع عليه من أنه تعالى لا يفعل القبيح؛ لأنه إذا خلق هذه الأشياء المذكورة فأي قبيح تركه حتى يقال: لا يفعل القبيح؟ وكذلك ينقض الأصل المجمع عليه وهو أنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر؛ لأنه إذا أراد أفعال العباد وفيها ما هو كفر فقد رضيه؛ لأن كل من أراد شيئاً فهو راض به. وكذلك ينقض الأصل المجمع عليه من أن كل ما فعله تعالى فهو حق لا باطل فيه؛ لأنه إذا خلق أفعال العباد وأرادها منهم مع أنها مشتملة على جميع ما ذكر من الظلم والكذب والعبث والسفه والكفر والفسق والعصيان فقد فعل كل باطل. وكذلك قول من نفى الحكمة منهم ينقض الأصل المجمع عليه من أنه تعالى عدل حكيم.
  بخلاف مذهب الأئمة $ ومن وافقهم في أنه تعالى لا يخلق أفعال العباد ولا يريدها، فلا يعود على كل أصل مما ذكر في تلك الجملة المذكورة إلا بالتقوية والتأييد، دون المناقضة والتفسيد.
  وأيضاً أجمع المسلمون على أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأنه فاعل الخير، وبيده الخير، ومنه الخير والإحسان، ثم قالت الأشعرية ومن وافقهم في خلق الأفعال: إنه يصح أن يخلق في العباد الكفر ونحوه، ويعذبهم عليه أبد الآبدين ودهر الداهرين، فأين الرحمة والإكرام؟ وأين الخير منه والإحسان؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
  وأيضاً أجمع المسلمون على أن القرآن حق وصدق لا باطل فيه ولا كذب، وإنما يمكن القطع بذلك إذا قلنا: إنه يقبح منه الكذب، وقد نسبت الأشعرية