الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر

صفحة 127 - الجزء 1

  برقلس ومن معه من الفلاسفة الذين قالوا: إن الله تعالى صانع العالم، والعالم قديم، وإن قلتم: «لا» نقضتم قولكم: قادر في الأزل.

  والجواب والله الموفق للصواب: أنه لا يلزم من كونه قادراً في الأزل صحة أن يكون فاعلاً في الأزل؛ لأن كونه قادراً في الأزل معناه أنه غير عاجز، بل متمكن من فعل أي شيء أراد، ومتى فعله خرج عن كونه أزليًّا إلى كونه حادثاً. ومعنى ذلك أنَّ اتصافه تعالى بهذا الوصف - وهو التمكن - ثابت له بما ليس له ابتداء، وأما كونه فاعلاً في الأزل ففيه مناقضة ظاهرة ليست واقعةً ولا لازمةً في قولنا: «قادر في الأزل»؛ لأن قولنا: «فاعل» يستلزم حدوث المفعول، فقولنا: «في الأزل» يستلزم قدم المحدث، وهو محال.

  إن قيل: إذا لم يلزمْ من كونه قادراً في الأزل صحةُ أن يكون فاعلاً في الأزل فقد نقضتم حد القادر؛ لأنكم حددتموه بأنه من يصح منه الفعل، فإذا كان الله تعالى لا يصح منه الفعل في الأزل لزم ألَّا يكون قادراً في الأزل، أو نقض الحد حيث أطلقتم القادر على من لا يصح منه الفعل.

  قلنا: لم نَحُدَّ القادرَ بأنه مَن يصحُّ منه الفعل على الإطلاق، بل قلنا: مع سلامة الأحوال، ومِن سلامتها عدمُ لزوم التناقض المؤدي إليه قولنا: «فاعل في الأزل» دون قولنا: «قادر في الأزل». والحاصلُ أن في قولنا: «فاعل في الأزل» مناقضة من حيث لزوم اجتماع النقيضين، بخلاف «قادر في الأزل» فليس فيه ذلك؛ إذ يلزم من «فاعل» وجود المفعول، ولا يلزم من «قادر» وجوده، وإنما يلزم صحة وجوده إنْ سَلِمَ الحال، فإن لم يسلم لم يخرج عن كونه قادراً، بل هو قادر بمعنى إذا أراد أن يفعل فَعَل، وإن أراد أن لا يفعل لم يحصل الفعل، فإن قَدَّرنا أنه فعل لم يصح وصف ذلك الفعل أو المفعول بأنه في الأزل، بل قد بطل دعوى كونه في الأزل من حيث إنه فعله الفاعل المختار، فتأمل.

  وأيضاً فإن قولنا: «فاعل في الأزل» يعود على وصفنا له تعالى بأنه قادر