الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم

صفحة 135 - الجزء 1

  المختار، لكن لا بأس بتحرير الكلام في ذلك لِمَا يتعلق به من الفوائد، ولأن المؤلف # من أهل القول الثاني، فلذا قال: (وبرهان ذلك) البرهان: هو الدليل. قال شيخنا ¦: من قولهم: أبره الرجل، إذا جاء ببرهانه، والبَرَهُ في الأصل: البياض، وامرأةٌ برهة⁣(⁣١): بيضاء، كما أن السلطان بمعنى الحجة من السليط لإنارته.

  والإشارة إلى كونه تعالى عالمًا (ما نشاهده) قصر الاستدلال على ما نشاهده لعلمنا به بضرورة المشاهدة، وإلا فالدليل يتناول ما غاب عن أبصارنا كما يتناول ما حضرها (في) جميع (ما خلقه من بدائع الحكمة) يحتمل أن يراد بالحكمة الفعل الحسن الذي لفاعله فيه مقصد صحيح، فيخرج العبث والسفه. ويحتمل أن يراد بها الإحكام، وهو الإتقان للشيء بحسب ما هو عليه، فلا يدخله التخليط المفضي إلى الالتباس والاضطراب وعدم التناسب. وكلا المعنيين مستقيم، وإن قصد الجميع فأبدع وأبلغ. (وغرائب الصنْعَة) أي: الخلقة، وقد قيل بمنع إجراء ذلك على الله تعالى؛ لإيهامها الاحتراف. وليس بوجه، وقد قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[النمل ٨٨]، (فإن فيها من الإحكام) وهو إيجاد الفعل أو الأفعال المتقارنة أو المتعاقبة على وجه لا يتأتى من كل قادر ابتداء (والترتيب) وضع كل شيء في مرتبته (ما يعجز عن وصفه الفطن) أي: سريع الفهم والتيقظ للأشياء اللازمة، وفهم عدم لزوم ما لا يلزم منها، والأوصاف الخافية من أوصافها⁣(⁣٢) (اللبيب) أي: ذو اللبِّ، وهو العقل الكامل، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ}⁣[الطلاق ١٠]، وهذا أمر واضح، أعني أن في أفعاله تعالى ومخلوقاته من الإحكام والترتيب ما يعجز عن وصفه الواصفون، وينحسر عن الإحاطة بشرحه العارفون، نحو خلق الإنسان وتركيبه بعد أن كان أصله تراباً، ونسله نطفة من ماء مهين، فجعله في قرار


(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب امرأة برهرهة، من قولهم للمرأة البيضاء: برهرهة بتكرير العين واللام معًا. (كشاف ونيسابوري في تفسير {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ}.

(٢) أي: الأشياء اللازمة.