الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم

صفحة 136 - الجزء 1

  مكين، وهي الرحم، فكان أصله بصفة واحدة غير مختلف الأجزاء، ثم صار لحماً وعظماً ودماً وعصباً وعروقاً وشعراً وبشراً، فاللحم لتستر العظام وتغذِّيها وتصونها عن الانكسار عند نحو الصدمة، والعظمُ لإقامة البدن كالأساطين، وجُعِلَ في كل محل على قدر الاحتياج واللزوم في الصغر والكبر والامتداد والدقة والغلظ، وجُعل ذا مفاصل عديدة؛ لئلا يبطل الانتفاع لو كان عظماً واحداً، وجعل فيه مفصلان عامان لعرضه: أحدهما في الحقو ينعطف جملة ما فوقه من البدن جهة الأمام، والآخر بالعكس - وهو مفصل الركبتين - ينعطف جملة ما فوقه جهة الخلف؛ ليمكن الجلوس والقيام ونحوهما كالركوع والسجود، ولو كان انعطاف المفصلين إلى جهة واحدة لَمَا أمكن ذلك، ولتعذر الانتصاب والاعتدال. وجَعل في المحلات التي لا تحتمل العظام ولا يقوم بها اللحم الغضاريف، وهو جنس دون العظم وفوق اللحم والعصب في الشدة، كما في الأذنين والمارن وأطراف اللوحين. والدم غذاءً سارياً في البدن لاستمرار حياته، والعصب كالحبال لربط الأعضاء بعضها إلى بعض، وجعلت متينة لينة: المتانة لئلا تنقطع، والليانة لئلا تبطل الحركة. وجعلت العروق كالأنهار إلى كل محل من البدن؛ لتجري فيها الأغذية من محل الطعام والشراب إلى كل محل من البدن بقدر الاحتياج. وجعل الجلد من خارج الجملة بشراً متصلاً على مقدار في الغلظ والرهف، كل محل بما يناسبه، ففي باطن القدمين والراحتين هو أغلظ منه في سائر البدن، وفي سائر البدن متوسط بين وبين، كل محل بحسبه في الحاجة والمصلحة. وجعل الشعر من خارجه كالزينة في مواضع مخصوصة من البدن كاللحية والرأس، وما كان لا زينة فيه كشعر الإبط والعانة أباح لهم إزالته وحلقه ليتعبدهم بإزالته، فكان إيجاده أولى من عدمه بالكلية، ثم لما كان الرأس أشرف البدن جُعِلَ في أعلاه⁣(⁣١)، وأودع فيه الجمال الداعي إلى ملاءمة الطباع


(١) أي: البدن.