الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم

صفحة 137 - الجزء 1

  وعدم التنافر والتواحش، وجعلت الحواس الخمس قائمة به، لكل حاسة جارحة مخصوصة؛ ليستعمل الإنسان تلك الجارحة بخصوصيتها عند عروض المدرك بها، كالعينين للبصر، والأذنين للسمع، والمنخرين للشم، واللسان للطعم، إلا الحاسة الخامسة وهي حاسة اللمس فجعلت سارية منسحبة في جميع البدن؛ لأن من مدركها ما هو مضرة على البدن كشدة الحر والبرد ولدغ الأفاعي ونحوها، وما هو منفعة للبدن كملامسة المشتهيات التي ينعم البدن بها كالأدفية وذات النعومة في الملامسة، فيشعر الإنسان بإدراك المضر فيبادر إلى التوقي منه لئلا يهلك، وبإدراك المنافع فيميل إليه بحسب الحاجة والرغوب فيه. وجعل في الكفين مزيد إدراك على سائر البدن من الإحساس للملامس؛ ليتمكن من جس ما يجس مما يخفى على سائر البدن وسائر الحواس، ويكون الوقوف على كنهه وكميته، ثم جعلت الحواس الخمس مؤدية إلى القلب ومبلغة إليه ما أدركته، فما أدركته أيُّ حاسة من تلك الحواس أدركه العقلُ القائم بالقلب، فيحكم فيه بما يلزم ويحسن من مقاربة المصلحة وتجنب المفسدة، واللسان تعبر عما يحتاج إلى التعبير من اجتلاب المصالح وتجنب المفاسد مما يتعلق بالغير، قالوا: فكان العقل كالملك الحاكم، والحواس كالخدم الحافين المبلغين ما يلزم، واللسان كالترجمان لِمَا يأمرُ به الملك من الحقوق اللازمة لهذا البدن فعلاً أو تركاً، والحقوق الثابتة عليه لخالقه كذلك فعلاً أو تركاً، والحقوق اللازمة عليه لسائر المخلوقات المماثلة له في الإنسانية أو المخالفة فيها كسائر أصناف الحيوانات، كلاً بما يليق به ويصلح في حقه فعلاً أو تركاً، ويحكم العقل بوجوب امتثال ما أَمَرَ به الخالق، سواء أدرك العقل حسنه أو لا؛ لكونه يعلم أن الخالق ملك فوقه، مالك له ولغيره، فحكم بلزوم امتثال جميع أوامره ونواهيه، فدخل في ذلك جميع الواجبات والمحظورات العقلية والشرعية، فسبحان من أتقن كل شيء حكمة وصنعا، وأحاط بكل شيء علماً وبدعا.

  قال #: (وكل ذلك لا يصح إلا من عالم) ضرورة (كما أن الكتابة