الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم

صفحة 141 - الجزء 1

  انطوت عليه الضمائر. وكأنهما يجعلان ما بين اثنين من قبيل النجوى، وهو التناجي - أي: التخاطب - سواء كان بين اثنين أو أكثر، لكن ينظر على كلامهما @ في تفسير ما هو أخفى، ويمكن أن يفسراه بمجرد ما يخطر من الحدس والخيال من دون أن يصحبه عزم وتصميم وإرادة واعتقاد ونحو ذلك من أفعال القلوب؛ لأن الأول من أفعال القلوب غير مؤاخذ به، ولا يمكن تعلقه بالإنسان وجوداً ولا انتفاءً، وعليه الحديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تهم أو تعزم»، وقوله تعالى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}⁣[الأحزاب ٥].

  واحتج الإمامان @ بقوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ}⁣[يوسف ٧٧]. وحجةُ الأولين قولُهُ تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}⁣[الأنبياء ٣].

  قلت: الأظهر - والله أعلم - أن السر بمقابل الجهر، سواء كان الإسرار به بين اثنين أو أكثر أو أقل، ومنه الصلاة السرية، وسواء بلغ به الإسرار إلى أن لا يخرج من بين الشفتين، بل انطوى عليه القلب والضمائر كما قاله الإمامان @، أم لا كما بين الاثنين من المخافتة كما ذكره الأمير # وجمهور المفسرين، أو أكثر كما تدل عليه الآية: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}، والمبحث لغوي فليراجع به كتب اللغة، ولا مشاححة في مثل ذلك تقدح في العقائد، والله أعلم.

  الثاني: قال الهادي والقاسم والمرتضى $، والبلخي، وقواه شيخنا ¦ وغيرهم: إنه يجوز أن يقال: إن الله تعالى بكل مكان ومع كل إنسان بمعنى حافظ مدبر بالقيد المذكور. وقال الإمام المهدي # والجمهور: لا يجوز ولو بالقيد؛ لأن ذلك يوهم التجسيم، واستعماله فيما ذكر مجاز، والمجاز لا يجوز إلا بإذن سمعي، ولم يرد السمع بلفظه، وإنما جاء بمعناه، وهو قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}⁣[المجادلة ٧]، وقوله تعالى: