فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم
  أنواع البديع، ومنه قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ}[النحل ٨١] ولم يذكر البرد لأن ما وقى من الحر وقى من البرد، فَآَثَرَ الاختصار والحذف اتكالا على فهم المخاطب؛ ليكسب الكلام بلاغة وفصاحة وحسناً، والله أعلم.
  الثالث: أن الله تعالى يعلمُ الأشياءَ المعدومة التي ستوجد قبل وجودها كما يعلم الأشياء الموجودة. وحُكِيَ الخلاف في ذلك عن جهم بن صفوان وهشام بن الحكم، فقالا: لا يعلم الشيء إلا عند وجوده. وهؤلاء ومَن وافقهم الذين يقولون: إن الأمر أُنُف، يعني لم يتعلق به علم سابق، إنما هو كالمستأنف العلم به حال وجوده.
  قلنا: هو من جملة المعلومات، وهو تعالى يعلم جميعها كما سبق تقرير ذلك. ولهم شبه يأخذونها من ظاهر قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا}[الكهف ١٢]، {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}[البقرة ١٤٣]، {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}[الأنفال ٦٦]، ونحو ذلك من الآيات المتشابهات. ومعناها: لِنعلمَ علماً يظهر لكم صحته، أو يصح تعلق التكليف بمعلومه أو بلازمه، على أن المتشابه - وهو ما يقدح ظاهره في التوحيد والعدل ونحوهما مما قامت الأدلة القطعية على ثبوته - لا يجوز اتباع ظاهره؛ لقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}[آل عمران ٧]، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر ٥٥]، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزمر ١٨]، وقد أخبر الله سبحانه عما سيكون في كثير من الآيات الكريمة عموماً وخصوصاً في عدة آيات، كقوله تعالى: {بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ}، لكنه مبني على أن المعدوم شيء، وقوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف ٦] ÷؛ لأن ذلك وإن كان من إخبار عيسى # فهو بإعلام الله تعالى له. ولأنه تعالى أخبر عن كثير من الكائنات قبل وقوعها، وهو معلوم من دين جميع الأنبياء والمرسلين $ قبل وجود أولئك المبتدعة.