الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ما علمه الله من المعدومات التي ستوجد هل علمه بها يوجب ثبوتها في الأزل]

صفحة 144 - الجزء 1

[ما علمه الله من المعدومات التي ستوجد هل علمه بها يوجب ثبوتها في الأزل]:

  الرابع: اختلف علماء الكلام فيما عَلِمَهُ تعالى من المعدومات التي ستوجد هل علمه تعالى بها يوجب ثبوتها في الأزل وتسميتَها ذواتًا وأشياءَ، ويثبت لها حكم التماثل والتخالف في حالة عدمها أم لا؟

  فقال القاسم بن محمد @ ورواه عن جمهور أئمتنا $: إن ذلك لا يوجب ثبوتها وتسميتها ذواتاً وأشياءَ في حالة عدمها.

  وقال بعض أئمتنا كالمهدي # والبهشمية وغيرهم: بل هي ثابتة في حال العدم، وتسمى ذواتاً وأشياءَ؛ ليصح تعلقُ العلم بها ووصفُها بالتماثل والتخالف، وإلا لزم وجودُها خبطاً واتفاقاً.

  قال الأولون: لا يسلم لزوم ذلك في العالم بذاته؛ لأن المعلومات متميزة له في حال عدمها كتمايزها في حال وجودها، ولا مانع من وصفها بالتماثل والتخالف من دون أن يقال لها: ثابتة في الأزل أو في حالة العدم.

  قلت: وهذا هو الصحيح، ومما يُبطل قولهم بثبوت الذوات في الأزل أن يقال لهم: لا يخلو هذا الثبوت في الأزل: إما أن يكون على سبيل الجواز أو على سبيل الوجوب، الأول باطل؛ لأنه يلزم منه مُرجِّح ومُؤثِّر أثر ثبوت الذوات، وذلك يبطل الثبوت في الأزل؛ لأن ما احتاج مؤثراً ومرجحاً ثبت حدوثه واستحال أزله. والثاني باطل أيضاً؛ لأن العالَم يصير معه إما واجب الوجود وإما جائزه، وكلا التقديرين محال، أما الأول فلأنه يخرج العالَم عن كونه محدثاً لوجوب وجوده؛ لأن واجب الوجود يجب أن يكون قديماً كالباري تعالى، وأما الثاني فلأنه إذا كان جائزاً أن يوجد فهو جائز أن لا يوجد أبداً، فيؤدي إلى صحة أن يكون ثابتاً في الأزل مع كونه معدوماً أبداً، وهو خلاف مذهبهم.

  فإن قيل: غاية ما فيه الثبوت في حالة العدم، وهو عين مذهبهم، فلا يسلم بطلانه.