الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ما علمه الله من المعدومات التي ستوجد هل علمه بها يوجب ثبوتها في الأزل]

صفحة 145 - الجزء 1

  قلنا: بل فيه الخلف على قود مذهبهم؛ لأنهم لا يقولون بثبوت الذوات في الأزل إلا في الذوات التي علم الله تعالى أنها ستوجد، لا الذوات التي علم الله أنها لا توجد؛ ولهذا لا يقولون: إن ثَمَّ سبع سماوات وأرضين معدومة غير هذه السبع ثابتة في الأزل، ولا أن ثَمَّ ثانيا للقديم تعالى معدوم ثابت في الأزل.

  وأيضاً إذا كانت ذوات العالم ثابتة في الأزل فيقال: من أثبتها؟

  إن قيل: أثبتت نفسها فهو محال؛ لأن الشيء لا يثبت نفسه، وإلا لزم وجود نفسه قبل ثبوت ذاته؛ لاستحالة الأثر قبل وجود مؤثره، فيلزم من ذلك وجود نفسه في حال عدم ذاته، وفي ذلك الجمع بين النقضين، وهو محال، ولأن فيه إبطال الثبوت في الأزل.

  وإن قيل: أثبتها في الأزل غيرها ففيه مناقضة ظاهرة؛ لأن ما أثبته غيرُه فليس بثابت في الأزل، بل من عند أن أثبته ذلك الغير، فتأمل.

  وأيضاً فلا يخلو قولهم بثبوت ذوات العالم في الأزل: إما أن يكون عن دليل أو لا، إن لم يكن فهو باطل، وإن كان: فإما سمعي فليس في السمع ما يدل عليه، وإما عقلي فإما وجود العالم واختلافه فذلك دليل على حدوثه دون ثبوته في الأزل، وإما غير العالم فليس ثَمَّ شيء يشار إليه غير كون الله تعالى عالما به في حالة عدمه، وكونه عالماً به لا يحتاج إلى إثباته؛ للزوم الحاجة {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ}⁣[محمد ٣٨].

  وأيضاً العالَم مختلف، فثبوته في الأزل إما كذلك لزم بطلان جعل الاختلاف دليلَ الحدوث، وإما غير مختلف فما وجد من الاختلاف عند حدوثه غير ثابت في الأزل، وإنما الباري تعالى يعلمُ العالَم ويعلم اختلافه قبل حدوثة ووجوده، لا أنه ثابت قبل حدوثه ووجوده.

  قالوا: أوليس القيامةُ وأحوال المحشر، وكذلك الجنة والنار عند من يقول: إنهما ما قد خلقتا ثابتةً لدينا الآن، فكذلك هي ثابتة عند الله بما لا ابتداء له، فلزم