[ما علم الله أنه سيقع من أفعاله أو أفعال غيره]
  ثبوت الذوات في الأزل. وقالوا أيضاً: يقال: ثبت عند الحاكم أول الشهر كذا، ولا يقال: وجد عند الحاكم أول الشهر كذا. ويقال: ثبت عنده دين فلان على فلان، ولا يقال: وجد عنده دين فلان على فلان.
  قلنا: ما تريدون بقولكم: القيامة ونحوها ثابتة لدينا الآن؟ وما تريدون بقولكم: ثبت عند الحاكم كذا؟ فإن تريدون(١) العلمَ بذلك فلا تناكر، ولا يلزم منه المدعى الذي هو محل النزاع، وهو ثبوت الذوات في حالة العدم، وإن تريدون(٢) ما هو المفهوم من لفظ الثبوت - وهو الوجود - فنسبته إلى الآن في القيامة ونحوها باطل اتفاقاً، وإلى الأزل بالأولى؛ فيجب تأويله بأن المراد: ثبت لدينا العلمُ بالقيامة وأحوال المحشر والجنة والنار، وثبت العلم عند الحاكم بأول الشهر ونحوه، وهو بمعنى وجد العلم بذلك، فلا فرق بين الثبوت والوجود، فلم يصح القول بثبوت الذوات في العدم أو في الأزل، سيما إذا قيل: العالَم ثابت في الأزل، ففيه من الخطأ إيهام وجوده في الأزل وإن كانوا لا يقولون بذلك وحاشاهم، لكن الإرادة لا تدفع الإيراد.
[ما علم الله أنه سيقع من أفعاله أو أفعال غيره]:
  الخامس: أنَّ ما علم الله سبحانه أنه سيقع من أفعاله أو أفعال غيره فالعلم بذلك لا أثر له في تحصيل المعلوم وإخراجه من حيز العدم إلى حيز الوجود، وإلا لكان الفاعل غيرَ الله وغيرَ العبد، وهو العِلْمُ، سيما على قول مَن يجعل الصفات أموراً زائدة على الذات كالأشاعرة وغيرهم من أهل المعاني، وكالمعتزلة ونحوهم ممن يقول بالأحوال والمزايا والأمور الزائدة شاهداً وغائباً؛ لأن خاصية العلم هي مجرد وضوح المعلوم للعالِم وعدم خفائه عليه، سواء كان من
(١) كذا في الأصل.
(٢) كذا في الأصل.