الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ما يعلمه الله من الأمور المستقبلة]

صفحة 147 - الجزء 1

  فعله⁣(⁣١) أو فعل غيره، والدراية⁣(⁣٢) بكيفية فعله محكمًا فيما كان من فعله، فأما وجود الفعل وإخراجه من العدم إلى الوجود فذلك من خاصية الفاعل لا من خاصية العَالم؛ فالعلم بأنه سيوجد لا يوجب وجوده.

  قال المنصور بالله عبد الله بن حمزة #: وإلا لزم أن الله تعالى مجبور على فعله تعالى الله عن ذلك، انتهى كلامه #.

  يزيده وضوحاً أنا لو جعلنا حصولَ ما علم الله أنه سيوجد واجبَ الحصول، وحصولَ ما علم سبحانه أنه لا يوجد من الممكنات في ذاتها مستحيلَ الحصول - لخرج الباري تعالى عن كونه قادراً؛ لانقسام الأشياء بين واجب الحصول فلا قادرية له تعالى على تركه، ومستحيل الحصول فلا قادرية له تعالى على فعله، فعُلِم بذلك أن حصول الفعل وعدمه لا أثر فيه لجهة العالمية؛ إذ لا تأثير لها إلا في وضوح الأشياء وكيفية إحكامها، ولا لجهة القادرية؛ إذ لا أثر لها إلا التمكن من الفعل والترك معاً، وإنما الأثر في حصوله لجهة الفاعلية، فلم يلزم حينئذ جهل ولا جبر ولا عجز في جانبي الفعل والترك، لا في أفعاله تعالى ولا في أفعال عبيده التي يقدرون عليها، فتأمل ذلك؛ فهو بحث نفيس مفيد في خروج الإشكالات والمحالات التي ترد على مسألتي قادر وعالم، وعلى أن العبد فاعل لأفعاله التي مكنه الله منها، وبالله التوفيق لمن سلك مسلك النظر الصحيح والتحقيق، وبذل وسعه في طرق التدقيق.

[ما يعلمه الله من الأمور المستقبلة]:

  السادس: فيما يعلمه الله من الأمور المستقبلة فإنه يعلمه أنه سيقع، وعند وقوعه يعلمه واقعاً، وبعد وقوعه يعلمه قد وقع، فاستشكل كثير من المتكلمين


(١) أي: العالِم. (منه).

(٢) معطوف على «وضوح». (منه).