الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ما يعلمه الله من الأمور المستقبلة]

صفحة 148 - الجزء 1

  هل هذه الأحوال الثلاثة علوم متعاقبة متعددة في ذاتها، أم علم واحد اختلفت جهة التعبير عنه؟

  مذهب جمهور أئمتنا $ ومَن وافقهم الثاني. وذهب قوم إلى الأول، ثم اختلفوا، فذهب جهْم وهشام بن الحكم ومَن وافقهما إلى أن الله تعالى يعلم الحالين الأخيرين، وهما: عند وقوعه يعلمه واقعاً، وبعد وقوعه يعلمه قد وقع، دون الحال الأول، فلا يعلم ذات المعلوم ولا حاله من أنه سيقع؛ بناءً على أصله الذي مر، ولأن تغير العلم في حقه تعالى محال.

  وذهب جمهورُ المعتزلة وبعضُ الزيدية إلى أنه تعالى يعلم ذات المعلوم الذي سيقع وحاله الأول، وهو أنه سيقع في الأزل، فأما حاله الثاني - وهو أنه واقع - والثالث - وهو أنه قد وقع - فلا يثبتان له إلا بعد وجود المعلوم، ويعبرون عن ذلك بصفة مدرِك، وقالوا: إنها صفة متجددة له تعالى عند وجود المدرَك، قالوا: ولا يلزم من تجددها تغير العلم. وشبهتهم أنه لو علمه تعالى في الأزل واقعاً أو قد وقع لكان ذلك العلم جهلاً حيث لم يتناول المعلوم على ما هو عليه؛ لأنه ليس واقعاً ولا قد وقع في الأزل.

  قلنا: هو تعالى يعلمه في الأزل واقعاً في المستقبل، فالأزل ظرف للعلم به لا لوقوعه حتى يلزم ما ذكرتم، ثم العلم بأنه واقع والعلم بأنه قد وقع هو العلم السابق الأزلي، وإنما اختلف التعبير عن المعلوم بأنه سيقع أو واقع أو قد وقع باختلاف الأزمنة الثلاثة عليه، فالاختلاف إنما هو في التعبير لا في المُعَبَّر عنه، وهو العلم به، دليلُ ذلك أن العبارة تختلف باختلاف أحوال المعلوم الذي هو الفعل، ولا يمكن ادعاء اختلاف العالم⁣(⁣١) لاختلاف العبارة؛ لأنه لا قائل به، ولأنه يدور علمنا بصحة اختلاف العبارة وإيقاعها من المعبِّر بها كذلك⁣(⁣٢) على


(١) يصح بكسر اللام وفتحها. (منه).

(٢) أي: مختلفة.