فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم
  العلم باختلاف أحوال المعلوم ثبوتاً وانتفاء، وهذا واضح فتأمل.
  السابع: ما أخبر الله سبحانه بوقوعه من الأمور المستقبلة مشروطاً بفعل أو ترك هل يصح القول بأنه تعالى عالم به أم لا يصح؟ وكيف العبارة اللائقة بمقام الإخبار عن ذلك؟ مثاله قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر ٦٥]، {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً}[الكهف ١٨]، وكذلك ما أخبر به ÷ من أن صلة الرحم زيادة في الأعمار.
  ذهب جَهْمٌ ومَن وافقه إلى أنه تعالى لا يعلم المشروط.
  قلت: ويأتي على أصله ولا الشرط.
  وذهب آخرون إلى أنه تعالى يعلم المشروط.
  والحق أنه إنْ علم تعالى أنَّ الشرط سيحصل فهو يعلم المشروط أنه سيحصل، وإنْ علم أنَّ الشرط لا يحصل أبداً فهو لا يعلم أن المشروط سيحصل، وإنما يعلم أنه لا يحصل، فالأول: نحو أن يعلم الله تعالى أن زيداً سيصل رحمه فيزيده في عمره المفروض مع عدم الصلة كذا سنة، فالمعلوم أنه سيزيده ذلك، فإن فرضنا أنه لا يصل رحمه فرضنا العلم السابق بأنه ما سيصل رحمه، فالمعلوم معه أنه سيميته على كمال العمر المجرد عن تلك الزيادة المشروطة بوقوع الصلة.
  والثاني: نحو الآيتين المذكورتين، فهو تعالى يعلم عدم حصول المشروط، وهو الإحباط في الأولى، والتولي والامتلاء منهم رعباً في الثانية، ولا يعلم حصول تلك المشروطات لِعدم علمه بحصول شروطها.
  وأما كيفية التعبير عند إرادة الإخبار بذلك فما علمناه يقيناً أن الله قد فعله لحصول شرطه أو سيفعله عند حصول شرطه مما دَلَّنا على أنه لا بد منه العقلُ أو السمعُ أو هما معاً، نحو الثواب والعقاب المشروطين بفعلِ أسبابهما من الطاعات والمعاصي، وعدمِ تطرق المحبِط والمكفِّر من المعاصي والتوبة - فيُعَبَّرُ عن الواقع بأن الله يعلم وقوعه، وعن المنتفي بأن الله يعلم عدم وقوعه، وقد يعبر عن المنتفي بأن