فصل: في الكلام في أن الله قديم
  أو المتماثلين، ثم يختلفان أو يتماثلان في صفة تخص أحدهما أو تعمهما مهما لم يكن الاختلاف بنفس الذات، وأنتم لا تسلمونه(١).
  وبعد، فالإلزام لازم للجميع، بل هو ألزم لقولهم، فما أجابوا به فهو جوابنا.
  يزيده وضوحاً أنها قد تختلف المفاهيم ولا يختلف الشيء باختلافها، كأن تقول: هذا الشيء - مشيراً إلى جسم معين - هو يمنة المسجد، ويسرة الحانوت، وأمام البيت، وخلف الاصطبل، ولا تختلف ذات ذلك الشيء باختلاف هذه الألفاظ المذكورة لا بمنطوقها ولا بمفهومها، ويؤكد كونَ السلب لا يقع به تماثل ولا اختلاف أنَّ المعدومات لا يقع فيها تماثل ولا اختلاف إلا بعد وجودها ووجود صفة قامت بأحدهما دون الآخر في الاختلاف، أو قامت بهما معاً في التماثل، فأمَّا والذات واحدة قد نفي عنها كل أمر زائد عليها فبينها وبين الاختلاف بون بعيد، ومقارنةُ الأمور الزائدة عليها أو قيام المعاني المتعددة بها يستلزمُ الاختلاف الذي ليس عليه من مزيد، فثبت بما ذكرناه أن الصفات هي الذات في حقه تعالى، وأن هذا القول لا ينافي شيئاً من الأصول والمسائل المجمع عليها في التوحيد، ولا مناقضة فيه لشيء من القضايا العقلية، وأنَّ ما عداه - سيما القول بالمعاني - قولٌ يعود على الأصول والمسائل المجمع عليها بالمناقضة والإبطال، وما عاد على الغرض المقصود - وهو التوحيد - بالمناقضة والإبطال فهو بالإبطال أولى، فلم يبق إلا القول بأنه تعالى قادر وحي وعالم وموجود بذاته فيما لم يزل وفيما لا يزال، ولا يخرج عن ذلك بحال من الأحوال، من دون أمر أو صفة أو حال أو معنى يوجب له لذلك أو يصححه له؛ (لأنه) تعالى (لو لم يكن كذلك) أي: قادرًا وعالمًا وحيًّا وقديمًا بذاته، بل كان لأمر غير ذاته، أو كان يجوز خروجُه عن ذلك في أي حال من الأحوال (لم يكن بُدٌّ من) أحد أمرين كلاهما باطل محال: إما (فاعلٍ
(١) أي: الاختلاف بنفس الذات.