فصل: في الكلام في أن الله قديم
  فعلَه، وجاعلٍ على صفات الكمال) وهي كونه تعالى قادراً على كل المقدورات، عالماً بجميع كل المعلومات، حيَّا دائماً لم يزل ولا يزول (جعلَه) وهذا مع كونه باطلاً من جهة لزوم حدوثه تعالى فهو باطل من جهة لزوم النقيضين، وهو أن من صفات الكمال أن يكون تعالى قادراً على كل شيء، فيكون قادراً على ذلك الفاعل له تعالى، فيلزم في كل واحد منهما أن يكون قادراً مقدوراً للآخر، وهو مستحيل؛ وذلك لأن كل واحد منهما من حيث إنه قادر يجب أن يكون موجوداً ليصح منه الفعل، ومن حيث إنه مقدور يجب أن يكون معدوماً ليصح من الآخر إيجاده، والجمع بين الوجود والعدم في ذات واحدة محال.
  وأيضاً فإن من صفات الكمال أنه حي دائم لم يزل - أي: فيما ليس له ابتداء - وفيما لا يزال، أي: فيما ليس له انتهاء، فهو قديم، فإذا فُرض مع ذلك فاعل فعله لزم اجتماع الحدوث والقدم، وهو جمع بين النقيضين المحال بكل حال.
  الأمر الثاني من الأمرين الباطلين فيما إذا لم نقل أنه تعالى قادر عالم حي لم يزل ولا يزال بذاته أشار إليه # بقوله: (أو يكون) ذلك المذكور من كونه قادراً وعالماً وحيًّا ليس ثابتاً له تعالى لذاته، بل (لِعِلَّةٍ) أوجبت له تعالى تلك الصفات، فإما موجودة أو معدومة، الثاني باطل؛ إذ لا تأثير للمعدوم، والأول إما قديمة فلا قديم سوى الله تعالى، وإما محدثة لزم حدوثه تعالى من فرض العلة المحدثة، ومن فرض أن ذلك لفاعل فعله تعالى، فأشار # إلى بطلان الطرفين بقوله: (وقد ثبت أنه تعالى قديم). ثم أشار إلى بطلان جميع التقادير اللازمة من القول بأن الصفات ليست للذات في حقه تعالى من لزوم خروجه عن كونه قادراً ونحوه أو فاعلاً له أو علةً قديمةً أو محدثةً بقوله #: (فلا يصح القول بشيء من ذلك) ويريد # بالعلة مؤثراً فيه تعالى على سبيل الإيجاب غيره بمقابل الفاعل، فلا يرد عليه قولُ مثبتي الصفة الأخص التي اقتضتها ذاته وهي اقتضت الصفات الأربع، ولا قول من قال: إن الصفات الأربع مقتضاة عن الذات. وإن كان قد تقدم عليه