[شبهة القائلين بأن الصفات ليست هي الذات والجواب عليها]
  في إثبات أنه تعالى قادر عالم ونحوهما.
  قالوا: قد ثبت أن الله تعالى مخالف لخلقه إجماعاً، ولا يكفي في المخالفة مجردُ الذات؛ لأن الكل ذوات، ولا نفسُ الاتصاف بأنه قادر وعالم وحي؛ لأن غيره قد شاركه في ذلك، فلم يبق إلا القول بأنه مخالف لخلقه بصفته الأخص.
  قلنا: لا يشترطُ في حصول المخالفة وجودُ أمر مختلف في كل من المختلفين، بل يكفي في حصوله وجودُه في أحد المختلفين دون الآخر، وحينئذ فيكون الاختلاف بينه تعالى وبين خلقه بأن ذواتهم أجسام وأعراض، دون ذاته تعالى فليست بجسم ولا عرض، فحصل الاختلاف بذلك من دون أن نثبت في ذاته تعالى أمراً زائداً على ذاته كما ترى، وهذا واضح.
  ومنها: شبه القائلين بالمعاني، قالوا: العالم في الشاهد من له العلم، والقادر من له القدرة، وكذلك الحي، فيجب أن تكون كذلك في الغائب.
  قلنا: وكذلك يقال: العالم في الشاهد من له علم محدث عرض يحل القلب، تارة يكون ضروريًّا وتارة يكون استدلاليًّا، وتارة يكون تصورًا وتارة يكون تصديقاً، وتارة موجوداً وتارة معدوماً، ويتعلق ببعض المعلومات دون بعضها، وكذلك القدرة والحياة أعراض محدثة حالة في جملة الشاهد. وتتعلق القدرة ببعض المقدورات دون بعض، وتارة تزداد وتارة تنقص، ويوجد في بعض الشاهد منها ما لا يوجد في الآخر، كقدرة الطير على الطيران، والخيل الجياد على الجري الشديد السرعة المتعذرة على غيرها من نحو الإنسان. والحياة تزول بطرو الضد وهو الموت. فإن أجروا القياس على الشاهد وجوزوا هذه الأوصاف والأحكام في الباري تعالى فهو كفر إجماعاً، وإن خرجوا عنه(١) فما هم أولى بالخروج عنه مِنَّا.
(١) أي: القياس. (منه).