الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله قديم

صفحة 196 - الجزء 1

  وبعد، فيقال لهم: ما نتيجة هذه الثلاثة التي هي القدرة والعلم والحياة في الشاهد؟

  فإن قالوا: نتيجتها صحة الفعل المحكم وعدم خفاء المعلوم عليه.

  قلنا: فلتكن هذه الثلاثة عبارة في حقه تعالى عن تلك النتيجة بنفس ذاته؛ لاستحالة تلك الأمور الثلاثة التي هي القدرة والعلم والحياة في حقه تعالى، وتكون تلك النتيجة ثابتة له تعالى لأجل ذاته تعالى لا لأجل شيء سواها.

  والتحقيق أن الشاهد لَمَّا كان جسماً، والجسم من ذاته لا يصح أن يكون قادراً عالماً حيًّا إلَّا بقدرة وعلم وحياة - احتاج إلى هذه المعاني ليصح منه الفعل المحكم ويكون المعلوم معلوماً له، والباري تعالى لَمَّا خالف الجسم من حيث إنه تعالى ليس بجسم اسْتغنَى عن هذه الثلاثة المعاني بذاته في صحة الأفعال المحكمة وتجلي المعلومات له تعالى؛ لوجوب غناه عن كل شيء، واستحالة قيام هذه المعاني به تعالى؛ إذ لا تقوم إلا بالأجسام، وليس بجسم كما تقرر. وهذه الشبهة هي أعظم شبههم، واحتج لصحتها السعد في شرح عقائد النسفي بأن قال: إن المعتزلة في نفيهم المعاني المذكورة بمثابة من يقول: أَسود من دون سواد، وهو محال.

  والجواب عليه يقال له: من أين لك صحة هذا القياس؟ أوليس أن السواد من صفات الأجسام وليس من صفاته تعالى، فأين المصحح للقياس في حقه تعالى وقد استحال الأصل المقيس عليه في حقه تعالى - وهو السواد - بلا تناكر؟

  والتحقيق في الجواب: أن السواد لَمَّا كان من صفات الأجسام، وكون الجسم أسود وصف زائد على ذات الجسم - كان لا بُدَّ في وصفه بأسود من ثبوت السواد فيه، وكذلك وصف الجسم بأنه قادر عالم حي لَمَّا لم يكن لذاته كان لا بد في وصفه بأنه قادر عالم حي من وجود القدرة والعلم والحياة فيه، ولا كذلك الباري تعالى في الأصل المقيس عليه وهو السواد، حيث لا يقال له تعالى: أسود