الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله قديم

صفحة 197 - الجزء 1

  من دون سواد، فلا يصح لك حينئذ القياس إلا لو ثبت أنه تعالى أسود بسواد واستحال أنه أسود بلا سواد، وهذه القضية منتفية عن الله تعالى بالإجماع، فكيف يصح القياس عليها في وجوب أن يكون قادراً بقدرة ونحو ذلك، واستحالة أن يكون قادراً بلا قدرة ونحو ذلك؟!

  فإن قال: قياساً على الشاهد؟

  قلنا له: لا يصح هذا القياس إلا بعد الجامع بين الأصل والفرع، وهذا الجامع بين الأصل - وهو السواد - والفرع - وهو القدرة ونحوها - هو نفس الجسمية، وهو حاصل في الشاهد دون الغائب، فلم يصح القياس أصلاً.

  ولَمَّا ثبت بالأدلة العقلية والنقلية واتفق الجميع على أن الله تعالى قادر عالم حي، وكانت القدرة والعلم والحياة أعراضًا محدثة الماهية والآنية - لم يبق إلا القول بأنه تعالى قادر عالم حي بلا قدرة ولا علم ولا حياة، ويكون المراد من وصفنا له تعالى بأنه قادر عالم حي ثبوتَ نتائج ذلك، وهو صحة الأفعال المحكمة منه تعالى وعدم خفاء شيء عليه لذاته لا لشيء زائد على ذاته، وهذا واضح كما ترى.

  وبعد، فيقال له: والأشعرية في قولهم: إن القدرة والعلم والحياة [معانٍ] قديمة قائمة بذاته تعالى غير حَالَّةٍ فيه لا هي هو ولا غيره بمثابة مَن يقول: إن السواد قديم قائم في الأسود وليس حالًّا فيه ولا هو الأسود ولا غيره، فإذا كان هذا محالاً فلنحل ما أقاسه عليه، والفرق تحكم، وإلزام ذلك جهالة مفرطة، وهذا واضح.

  قالوا: لو كان قادراً بذاته عالماً بذاته لكان ما قدر عليه هو عين ما علمه، فيجب أن يكون قادراً على ذاته؛ لأنه عالم بذاته.

  قلنا: ومن أين يلزم هذا؟ أوليس أن ذاته من جملة المعلومات وليست من جملة