فصل: في الكلام في أن الله قديم
  المقدورات؛ لأن صفة عالم تتعلق بالمقدورات وغيرها، ولا تتعلق صفة قادر إلا بالمقدورات، فلا يلزم ما ذكروه.
  وبعد، فهذا وارد عليهم؛ لأنهم موافقون أن الله تعالى عالم بنفسه، فيجب أن يكون قادراً على نفسه كما أنه عالم بنفسه، ولا فرق بين أن يكون ذلك لمعانٍ كما يقولون أم لا، فما أجابوا به فهو جوابنا.
  قالوا: يصح الأمر بتحصيل العلم؛ وذلك لا يستقيم إلا على القول بأنه معنى.
  قلنا: يصح الأمر ممن وعلى من؟ فإن الاحتجاج بذلك ما قد كمل حتى تبينوا ممن وعلى من.
  فإن قالوا: من الله علينا فمسلم، وليس هو أمر بتحصيل نفس العلم؛ لأنه غير مقدور لنا ابتداء، وإنما هو مُسَبَّبٌ عن النظر الموصل إليه، فالأمر به أمر بسببه وهو النظر.
  وإن قالوا: مِن غير الله على الله تعالى فهو باطل، فلا وجه للتمسك في هذه المسألة بالمقدمة الأولى مع استحالة الأخرى.
  قالوا: قول أهل اللغة: «زيد عالم» و «زيد قادر» إخبار عن حصول معنى قائم به، فيجب أن يكون قولُ الله تعالى في كتابه وعلى ألْسِنَة رسله وقول الموحدين: «الله عالم» و «الله قادر» إخبارًا عن حصول ذلك المعنى له قائم به تعالى.
  قلنا: هذا من جنس الشبهة الأولى وقد مر جوابها مستوفى، فليؤخذ جوابها منه. ويختص هذا المكان بأن يقال: ومن أين لكم أن أهل اللغة إنما أرادوا الإخبار بأن لزيد قدرة وعلمًا؟ وإن سلم فمن أين لكم أن الله تعالى ورسله وكل واحد من الموحدين أراد في قوله: «الله عالم» و «الله قادر» الإخبار بأن له قدرة وعلمًا، وإن سلم فمن أين لكم أن المراد من تلك القدرة والعلم ونحوها هي المعاني التي زعمتموها؛ لأن الظاهر من اللفظ والمتبادر إلى الفهم منه عند أن يقال: «الله قادر» و «الله عالم» الإخبار بأنه يقدر على الأشياء وأنه يعلمها، لا أن