الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

إلزامات:

صفحة 199 - الجزء 1

  المراد أن له قدرة وعلماً قديمين قائمين به لا على وجه الحلول فلم يتطرق إلى فهم أحدٍ سواكم، دليله: أن جميع العوام وجميع علماء الإسلام لا يقول بذلك أحد منهم غيركم.

  وبعد، فقد تتبعنا لغة العرب والمواضع التي ورد فيها لفظ العلم والقدرة في القرآن فوجدنا ذلك تارة تطلق على نفس المعلوم، كقولهم: هذا علم أهل البيت، وعلم أبي حنيفة، وعلم الشافعي، أي: معلوماتهم، ومنه قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي: من معلوماته {إِلا بِمَا شَاءَ}⁣[البقرة ٢٥٥]، ولو أراد به ما زعموه لما كان للاستثناء معنى، وتارة تطلق على نفس القادر والعالم والحي كقولهم: في البلد الفلاني حياة وعلم وقوة، أي: أحياء وعلماء وخلق مقتدرون، ومنه قوله تعالى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}⁣[النساء ١٦٦] أي: وهو عالم به، ومنه قولهم: كان حياة فلان يفعل كذا وكذا، أي: كان فلان. وإذا كان الأمر كذلك فلا يلزمُ من إطلاق هذه الألفاظ حصول تلك المعاني، وإن لزم حصولها شاهداً فلا يلزم في الباري كذلك؛ لاستحالة قيام شيء من الأشياء به، تعالى عن ذلك علوًّا كبيراً.

إلزامات:

  منها: أن يقال لهم: بم تكفرون الفلاسفة؟ إن قلتم: بإثباتهم العقول القديمة مع العلة القديمة، وهي الباري بزعمهم، فما جوابكم عليهم لو أجابوا عليكم: إنما عنينا بالعقول القديمة ما عنيتم بالمعاني القديمة، وبقولنا: «العلة» ما عنيتم بقولكم: «الله»، فماذا تجيبون وقد اتفقتم أنتم وهم في المعنى، وإنما اختلفتم في اللفظ والتعبير فقط؟ وهل ينفعكم الفرار من الموافقة في اللفظ بعد الموافقة في المعنى؟

  وإن قلتم: إنما كفرتموهم لإنكارهم أن الله مريد؛ لأنهم لا يصفون العلة القديمة بأنها مريدة.

  قيل لكم: فما جوابكم لو قالوا: بل هي مريدة بإرادة قديمة وهي أحد العقول