فصل: في الكلام في أن الله قديم
  مستقلة بأنفسها وذوات على انفرادها، وهي: القدرة والعلم والحياة وغيرها، وقالوا أيضاً: إن هذه المعاني متعددة في نفسها، فبعضهم زعم أنها سبعة، وزعم بعضهم أنها ثمانية. فحصل من هذا أن الشرائط التي اعتبرتها النصارى في قولهم بالأقانيم لا توجد إلا في مذهب الأشعرية. انتهى كلامه # في الشامل، ذكره عنه في شرح الأساس.
  وبعد، فإذا كان الله تعالى قد كَفَّرَ النصارى بقولهم: إن المسيح وأمه إلهَان، وإنه تعالى ثالثهما، واتَّحَدَ بهما وصار بالاتحاد بهما ذاتًا واحدة، وهي ثلاثة في المعنى، مع كون هذا الاتحاد لم يكن في الأزل، بل عند وجودهما، فقول مَن يقول: إنه تعالى في الأزل اتحد بسبعة أشياء، وصار وإياها ذاتاً واحدة وهي ثمانية في المعنى والماهيات، وإنها امتزجت معه امتزاج الصفات بالذات - أَدخلُ(١) في الخطأ والضلال؛ لإثبات الأكثرية في الامتزاج والتركيب وكون ذلك في الأزل؛ إذ يلزم من ذلك إمكانه فيما بعد الأزل من باب الأولى، فيكون مصححاً لما قالته النصارى وفاتحاً لمثل أقوالهم، كقول بعض الصوفية: إنه تعالى اتحد بالكواعب الحسان وما أشبههن من المردان، وقول بعضهم: إنه تعالى اتحد بكل الموجودات، حيث قد صح اتحاده تعالى بتلك المعاني في الأزل حيث لم تكن غيره، فإن كانت غيره فأَدخل في الضلال والخبال؛ لأنها تكون آلهة معه.
  ومنها: أنه قد انعقد إجماع المسلمين على أن الله تعالى غني عما سواه، فنقضوا هذا الإجماع؛ لأنهم قالوا في هذه المعاني: لولا هي لما كان الله تعالى قادراً عالماً حياً الخ، فقد أحوجوه إليها أبلغ من احتياج الحي في الشاهد إلى الطعام والشراب؛ لأن فقدهما في بعض الأحوال لا يبلغ به إلى هذا الحد.
  وانعقد الإجماع على أنه تعالى خالق كل شيء إلا ما خصته الدلالة العقلية
(١) خبر «فقول». (منه).