الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله قديم

صفحة 203 - الجزء 1

  والسمعية، كذاته المقدسة وأفعال العباد والكسب عند المخالف، فنقضوا هذا الإجماع بإثباتهم معاني لم يخلقها الله تعالى.

  وانعقد الإجماع أيضاً على أن الله تعالى لا يصح أن يكون محلاً لمعنى ولا لغيره، فنقضوه بأن قالوا: إنها قائمة بذاته تعالى. وقولهم: لا على وجه الحلول غيرُ نافع؛ لأن القيام لا يعقل منه في قيام المعنى بغيره إلا الحلول.

  وانعقد الإجماع أيضاً أن الله تعالى واحد، فنقضوه بإثباتهم هذه المتعددة معه إلى ثمانية، فإن صار معها شيئاً كالجملة الواحدة المركبة من هيئات متعددة فذلك ينافي كونه تعالى واحداً في ذاته، وإن لم يصر معها كالجملة الواحدة كان كل واحد منها مستقلاً في ذاته، واجب الوجود على حدته، فينقض كونه مستقلاً بالوحدانية من باب الأولى.

  وانعقد الإجماع أيضاً أن الله تعالى لا إله إلا هو وحده لا شريك له في الإلهية، وهذه المعاني إن كانت قديمة كانت واجبة الوجود لذاتها، فتكون آلِهةً؛ لأنها قد شاركته تعالى في الوصف الذي لأجله فارق به جميع المخلوقات، وهو أنه قديم واجب الوجود لذاته، وهو أخص أوصافه تعالى، فإذا فرض شيء شاركه فيه وجب أن يشاركه في سائر أو صافه تعالى من كونه قادراً على كل المقدورات، عالماً بكل المعلومات، حيًّا دائماً لم يزل ولا يزول؛ لأنه إنما ثبت له تعالى ذلك لكونه قديماً، والاشتراك في القدم الذي هو أخص أوصافه تعالى يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات، ألا ترى أن أخص أوصاف الإنسان كونه ناطقاً، فكل ما شاركه في كونه ناطقاً شاركه في كونه إنساناً وحيواناً ويقدر ويعلم ويأكل ويشرب، وكذلك الفرس أخص أوصافه كونه صاهلاً، فكل ما شاركه في كونه صاهلاً شاركه في كونه فرساً يمشي على أربع ويصلح للركوب لمطاردة العدو ويأكل ويشرب ونحو ذلك من أوصافه، فلو فرضنا شيئاً مشاركاً لله تعالى في القدم الذي هو أخص أوصافه تعالى لوجب أن يشاركه تعالى في سائر