الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير

صفحة 208 - الجزء 1

  أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}⁣[الإنسان ٢] يشهد لذلك، أي: حيًّا لا آفة به تمنعه عن إدراك المسموع والمبصر عند إعمال حاسة السمع وحاسة البصر في المسموع والمبصر، ولا يمكن حمل الآية على عالم بهما؛ لأنه قد يعلم المبصر من لا يشاهده كالأعمى والغائب عنه بواسطة الخبر ونحوه، وقد يعلم المسموع من لم يحضره ولم يسمعه بواسطة الخبر ونحوه؛ ومن ثَمَّ لم يجعل من اختار أنهما بمعنى عالم ذلك إلا في حق الباري تعالى دون الشاهد، فجعلوهما حقيقة لمن يدرك المسموع بمعنى محله الصِّمَاخ، ومن يدرك المبصر بمعنى محلة الحَدَق.

  إذا عرفت معنى السميع البصير فلا خلاف بين كل من أقر بالصانع المختار أن الله تعالى سميع بصير، والخلاف في ذلك يحكى عن الباطنية كما مَرَّ لهم في غيرها من الصفات أنه تعالى لا يوصف بنفي ولا إثبات.

  وينظر في إلزام المطرفية ذلك، فإن جعلناهما بمعنى حي لا آفة به فيُحتمل عدمُ الإلزام من حيث إنهم لا يخالفون في ذلك، ويُحتمل الإلزامُ من حيث إنهم ألزموا في حي أن لا يكون حيًّا. وكذلك يأتي هذان الاحتمالان إن جعلناهما بمعنى عالم، فتأمل.

  قال #: (فإن قيل) لك أيها الطالب الرشاد: (أربك سميع بصير؟ فقل: أَجَل) أي: نعم هو سميع بصير.

  والدليل على ذلك أمَّا على مذهب أهل القول الأول فلا إشكال؛ لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ومن جملتها المسموعات والمبصرات وسائر المدركات، فيجب أن يكون سميعاً بصيراً مدركاً لجميع المدركات. وهذا الدليل مبني على أصلين:

  أحدهما: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. والثاني: أن من جملتها المسموعات والمبصرات وسائر المدركات.

  أما الأصل الأول فقد تقدم تقريره في مسألة عالم حيث قلنا: إنه تعالى لا يختص بمعلوم دون معلوم.