الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير

صفحة 209 - الجزء 1

  وأما الأصل الثاني - وهو أن المسموعات والمبصرات هي من جملة المعلومات - فلا نزاع فيه؛ إذ هو معلوم بالضرورة، فثبت القول بأنه تعالى سميع بصير، وفي معناهما سامع مبصر لا فرق، وثبت القول بأنه تعالى مدرك لسائر المدركات؛ لأنها من جملة المعلومات.

  وأما على مذهب أهل القول الثاني فقد أشار إليه # بقوله: (لأنه) تعالى (حَيٌّ كما تقدم، ولا) يجوز أن (يعتريه شيء من الآفات) المانعات من إدراك المسموعات والمبصرات وسائر المدركات. وهذا الدليل مبني على أصلين أيضاً:

  أحدهما: أنه تعالى حي. والثاني: أنه تعالى لا يجوز عليه شيء من الآفات.

  أما الأصل الأول - وهو أنه تعالى حي - فقد تقدم في مسألة حي، فلا كلام فيه هنا.

  وأما الأصل الثاني فظاهر (لأن الآفات) هي فساد الآلات التي يكون بها إدراك المسموع والمبصر ونحوهما كالمشموم والمطعوم والملموس، وهذه المعاني (لا تَجُوزُ إلاًّ على الأجسام، والله تعالى ليس بجسم) كما سيأتي، و (لأن الأجسام) كلها (مُحْدَثَةٌ كما تقدم) في مسألة إثبات الصانع (والله تعالى قديم كما تقدم أيضا) في مسألة قديم، فثبت بذلك أن الله تعالى سميع بصير. وهذا الدليل مبني على أن إدراك المدركات مقتضى عن الحَيِّيَّة بشرط وجود المدرك وسلامة الآلات وارتفاع الموانع المانعة عن إدراكه، كالحجاب الكثيف ووجود الضياء المناسب للعين في حق المرئي، وحيث إن ما عدا الأول مستحيل في حق الله تعالى لا معنى لاشتراطها في كونه تعالى مدرِكاً؛ فاشْتُرط عند أهل هذا القول الأول فقط، وهو وجود المدرَك، وجعلوا ذلك شرطاً في سامع مبصر مدرِك، لا في سميع بصير فالمشترطُ فيهما صحة أن يدرِك المسموع والمبصَر عند أن يوجد، وهذه الصحة مقتضاة عن كونه تعالى حيًّا مع استحالة الآفة عليه تعالى، فمن ثَمَّ جعلوا سميعاً بصيراً يوصف بهما الباري تعالى في الأزل،