الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير

صفحة 210 - الجزء 1

  دون سامع مبصر مدرك فليس إلا بعد حصول ذلك الشرط، وهو وجود المدرَك، هذا قول جمهور المتأخرين، ولا يُسلم.

  أمَّا أولاً: فلأن الإدراك لو كان مقتضى عن الحَيِّيَّة للزم أن الإنسان يدرك المدركات كلها بجميع أعضائه؛ لأنها حية لا آفة بها، فكان يدرك المسموع والمبصر باليدين ونحوهما، فدل على أن الإدراك ليس مقتضى عن الحيية، بل عن استعمال الحاسة المخصوصة بالمدرك فيه مع سلامتها وعدم الموانع ووجود الضياء المناسب للعين في حق المرئي ونحوذلك.

  وأما ثانياً: فلأن الإدراك لو كان مقتضى عن الحيية مع وجود المدرك للزم أن ندرك المدركات الكثيرة الحاصلة دفعة؛ لوجود الحياة ووجود المدرك وسلامة الحاسة، والمعلوم خلاف ذلك، فإن الإنسان لا يقدر غالباً أنْ يدرك الصوتين أو اللونين في محلين إلا على جهة التعاقب، فكيف بإدراك الأصوات الكثيرة ولو كانت في الحضرة، ما ذاك إلا أن الإدراك ليس مقتضى عن الحيية، بل عن استعمال الحاسة في المدرك، لَمَّا كانت الحاسة كالآلة لا يمكن استعمالها إلَّا فيما هي آلة فيه في الغالب في أكثر من واحد إلا على جهة التعاقب.

  وأما ثالثاً: فلأنهم جعلوا الإدراك في الشاهد مقتضى عن الحيية ولم يجعلوها كافية في اقتضائه، بل شَرطوا معها وجود الحاسة في محل الإدراك، وهو وجود البصر مثلاً في الحدق، وشرطوا أيضاً سلامته، وإذا كان هذا الاقتضاء شاهداً إنما حصل مع وجود الحاسة وسلامتها من الآفة، بحيث لولا وجود الحاسة وسلامتها لَمَا حصل - فلئن ينتفي الإدراك مع استحالة الحاسة من باب الأولى، فيلزمهم أن الله تعالى ليس بمدرك. هذا ما أورده عليهم الشيخ محمود الملاحمي، وهذا ظاهر، ولا ينقلب علينا هذا ويقال: فأنتم جعلتم الإدراك مقتضى عن استعمال الحاسة في المدرك، وذلك مستحيل في حق الله تعالى، فينتفي حصول الإدراك في حقه تعالى من باب الأولى.