فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير
  لأنا نقول: لم نجعل الإدراك في حقه تعالى زائداً على العلم بالمدركات، ولا جعلناه مشروطاً بوجودها، ولا قلنا في السميع والبصير: هما بمعنى حي لا آفة به - فَنُوهِمَ بنفي الآفة وجودَ الآلة مع سلامتها عن الآفة، ولا قلنا في السامع والمبصر والمدرك: هي بمعنى حي لا آفة به عند وجود المسموع والمبصر وسائر المدركات - فنَزيدَ في إيهام وجود الحاسة إيهَامَ استعمالها في المدرك؛ لأنا لَمَّا قلنا: إن الجميع في حقه تعالى بمعنى عالم، ويوصف بالجميع في الأزل - لم يَرد علينا شيء من ذلك.
  فإن قيل: إنا إذا علمنا شيئاً من المدركات بخبر متواتر أو بوجود أثره كأثر قدمي الماشي على الطين الرطب ونحو ذلك، ثم إذا وجدنا ذلك المخبر عنه أو الأثر - حصل لنا زيادةٌ على العلم الحاصل أولاً، وليس إلا صفة الإدراك.
  قلنا: لم ننكركم ذلك في الشاهد، ولكن أين الجامع بينه وبين الغائب؟ فإنه ليس لله تعالى من حاسة تتعلق بالموجودات فتكسب له ذلك الإدراك الزائد على علمه تعالى بها في حال عدمها، بل علمه تعالى بالموجودات لا يزيد على علمه بالمعدومات، فثبت بما ذكرنا أن الله تعالى سميع بصير وسامع مبصر مدرك، وأنها كلها في حقه تعالى بمعنى عالم بالمسموعات والمبصرات وسائر المدركات. وبقي الكلام فيما يتعلق بهذه المسألة من الفروع والأبحاث:
  الأول: أن ما ثبت لِمَا مَرَّ من الصفات المذكورة - موجود وقادر وعالم وحي - يثبتُ لهذه الصفة: من أنها ثابتة لذاته تعالى لا لأمر زائد على ذاته، وكلٌّ على أصله، إلَّا أن القرشي في المنهاج ذَكَرَ أنه حكي عن أبي هاشم أنه يثبت لكونه سميعاً بصيراً حالة زائدة على كونه تعالى حيًّا لا آفة به، قال: وهو لا يصح؛ لأن العلم بكونه سميعًا بصيرًا يدور على(١) العلم بكونه تعالى حيًّا لا آفة
(١) كذا في المخطوطتين. وفي المنهاج: «مع العلم».