فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير
  به ثبوتاً وانتفاء، ولو كانا غيرين لصح انفصال أحدهما عن الآخر، إلى آخر ما ذكره هناك. وهذا معنى آخر لا ينافي أنه يجعل سميعاً بصيراً صفة زائدة على الذات كما قاله في سائر الصفات.
  وكذلك يثبت لهذه المذكورة في هذه المسألة ما ثبت لما مر من أنه تعالى سميع بصير فيما لم يزل وفيما لا يزال، ولا يجوز خروجه عن ذلك بحال من الأحوال، وكذلك سامع مبصر مدرك، خلافاً لمن فرق بينها وبين سميع بصير، فلا يثبت له ذلك فيما لم يزل حقيقة، بل عند وجود المدرك كما مر من حكاية مذهبهم. وينظر ما يقوله فيها فيما لا يزال إذا عَدِمَ المدرَك هل تبقى صفة مدرِك وسامع مبصر أم تنقضي بانقضاء وجود المدرَك؟ لم أجد لهم نصًّا في ذلك ولا حكى عنهم أحدٌ ذلك، ولعله بناء على القواعد - من أن تخلف الشرط يلزم معه تخلف المشروط - أن لا يثبتوا له ذلك فيما لا يزال إلا مع استمرار وجود المدرك كالأجسام والأعراض الباقية في الآخرة، والله أعلم.
  الثاني: حُكي عن أبي القاسم بن شهلويه أنه قال: إنه تعالى يدرك جميع المدركات ما خلا الألم واللذة. وهذا إنْ أريد به أنَّ الإدراك بمعنى العلم فقط فغير مسلم له؛ لأنهما من جملة المعلومات، وإن أريد به أن الإدراك هو المعنى الزائد على العلم الذي أثبته البصرية ومن وافقهم عليه شاهداً وغائباً، فأراد استثناءه في حقه تعالى بالنظر إلى اللذة والألم - فما ذكره صحيح فيهما؛ لاستحالة اللذة والألم في حقه تعالى، ولكن ليس ذلك خاصًّا باللذة والألم، بل وسائر المدركات إنما يعلمها، وإدراكها بمعنى العلم بها لا غيره، إلا أنه ربما يقال: مراده أنه يصح إطلاق لفظ مدرك عليه تعالى في سائر المدركات بمعنى العلم أو بمعنى الأمر الزائد على العلم، فيصح أن يقال: يدرك الروائح، ويدرك الطعوم ونحوها، إلا الألم واللذة فلا يصح أن يقال: يدركهما؛ لإيهامه الخطأ، بل يقال: يعلمها - فذلك صحيح.