فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  ولَمَّا فرغ # من الكلام على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء ولا يجوز عليه تعالى ما يجوز عليها تكلَّم في معاني بعض آيات من المتشابه الذي تعلقت المجسمة بظاهره.
  اعلم أولاً أن الحكمةَ في إنزال المتشابه في الكتاب العزيز ووروده في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وعلى آله الكرام مِن وجوهٍ:
  أحدها: الزيادة في البلوى على عباده والمحنة لهم، وتعبدهم وتكليفهم بالنظر والفحص لاستخراج الوجه البليغ الأنسب بجلاله وعظيم كبريائه ø، فيزدادوا بمعرفته إيماناً إلى إيمانهم ويقيناً إلى يقينهم، ويُكتب لهم الثواب الجليل والأجر الجزيل باستخراج ذلك الوجه، وبالمباحثة والمراجعة بين العلماء رحمهم الله والمناظرة بالإنصاف وقول التي هي أحسن، ويتعبد جميعهم بتعبداتٍ: العارف بالإيضاح والبيان وإزاحة الإشكال، والجاهل المتمكن من النظر بالاستيضاح وطلب البرهان والتواضع للاسترشاد والسؤال، ويتعبَّدُ مَن لم يتمكن من النظر في المتشابهات بالإيمان الجملي، وهو الاعتقاد أنها من عند الله وأنها حق لا باطل فيها وإن لم يعرف معانيها، ولَو لم يكن إلا هذا الوجه لإنزال المتشابه لَكفى في حسنه ودخوله في دائرة الحكمة الربانية والمصالح الدينية.
  الوجه الثاني: ما يجعله الله تعالى من الفتنة التي عندها يتبين ثابت الإيمان والمتصف به باطناً وظاهراً ممن هو منه على حرف أوفي ظاهر حاله دون باطنه، فيتميز الخبيث من الطيب عند ورود المتشابه وأمثاله من ضروب الفتنة، كفتنة إبليس اللعين، وإماتةِ مَن به إقامة الدين، كالأنبياء والأئمة الهادين وسائر حجج الله في خلقه أجمعين، وكتمكين إبليس من الإلقاء في أمنية الأنبياء $، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج ٥٢]،