فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  الكبير المتعالي؛ لكون مَن هذا شأنه حقيقاً بأن يطاع أمره ولا يعصى، وإن لم يكن مُلْكُه كَمُلْكِ الخلق الذي هو(١) قسر بعض الناس على الطاعة رغبة ورهبة، ولا الكِبرُ ضخامةُ الجسم وسعةُ امتداده، ولا التعالي رِفْعَةُ المكان وطول المسافة إليه. ومِن هذا القبيل لَمَّا أريد أن يثبت الله تعالى من التعالي ما هو أرفع غاياته خُوطبوا تارة بأنه في السماء، وتارة بأنه فوقها، وتارة بأنه على العرش الذي هو أرفع منها(٢)؛ لِلتَّقرير في أذهان العامة بأنه لا مَلِكَ بعد هذا ولا أرفعَ منه ولا طاعةَ بحق لأحد سواه. ثم قال في الكتاب: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فَلَو حواه مكان أو أشُير إليه بأين هو لَشارك الأجسام كلها في تمكنه في مكان وتحيزه في حيز يشار إليه به أين هو، فكان مثل كل شيء، تعالى الله عن ذلك، فلم يصدق قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. انتهى.
  وهذا وجه وجيه، وهو مما يزيد الكلام بلاغة وجودة وتلقياً في فكر المخاطب، ومآله إلى النوع المسمى في علم البديع بالتخييل والاستعارة التمثيلية، وقد اختاره الإمام يحيى بن حمزة # والزمخشري على غيره من التأويلات التي يذكرها المتكلمون في آيات المتشابه المشعر ظاهرها التشبيه.
  إذا عرفت ذلك فاعلم أن الناس اختلفوا في الآيات والأحاديث المتشابهة على ثلاثة أقوال:
  الأول للمجسمة: حملها على ظاهرها مع اعتقاد التجسيم الحقيقي. وهذا زيغ شديد وضلال بعيد، وسيأتي حكم قائله في فصل الإِكفار إن شاء الله تعالى.
  الثاني لبعض الحشوية والمحدثين والمدَّعين أنهم أهل السنة، وحكاه شيخنا ¦ عن صاحب العواصم والقواصم: تَبْقِيتُها على ظاهرها من دون اعتقاد
(١) أي: الملك.
(٢) أقول: وتارة بأنه في السماء وفي الأرض، وتارة بأنه {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} الآية [المجادلة ٧]. (حاشية على الأصل).