فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  تجسيم ولا تشبيه. وهذا إِنْ أرادوا به أنها واردة على طريق التخييل والاستعارة التمثيلية فهو يؤول إلى كلام الإمام يحيى والزمخشري، وهو في الحقيقة ضرب من التأويل، فَتشنيعُهم بعد ذلك على من خاض في تأويل تلك الآيات على غير هذا الوجه بِأن جَعلَ اليدَ كنايةً عن القدرة ونحو ذلك مِن أنواع المجاز لا وجه له؛ إذ قد صار اتفاق الجميع أنه تعالى ليس كما يشعر به ظاهر تلك الآيات؛ إذ لا معنى لقوله تعالى خطاباً لموسى #: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[طه ٣٩] إن حملنا حرف الجر على ظاهره وهو الاستعلاء، وحملنا مدخوله على العين الجارحة؛ إذ لا شك في بطلان هذا المعنى، وإنما المراد بذلك المبالغة والتأكيد لكونه تعالى عالماً. وإِن لم يريدوا به ذلك فهو قولٌ لا معنى له مع القطع بنفي التجسيم؛ لأنه يُلحِقُ كلام الحكيم بالهذر وإخراجٌ للفظ وتعطيله عن كلا معنييه الحقيقي والمجازي، اللهم إلا أن يقولوا: إن له معنى لا نعلمه فلا يرد ما ذُكِر، فهذا إن كان حملُ اللفظ على ظاهره - وهو التجسيم - أحد الوجوه الداخلة تحت قولهم: له معنى لا نعلمه فهو باطل؛ لاستلزامه التردد في ثبوت التجسيم ونفيه، وإن لم يكن أحد الوجوه الداخلة تحت ذلك فَلا وجه للتشنيع على المؤَوِّل؛ لجواز مصادفة الوجه المراد منها، سيما وقد سَبقَ إلى التأويل جَمْعٌ من علماء الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، كأمير المؤمنين وسيد المتكلمين أخو رسول الله وباب مدينة علمه، وابنِ عباس وابنِ مسعود وأُبي بن كعب وغيرهم من علماء الصحابة ¤، وكمجاهد وقتادةَ والسدي وأبي صالح والحسنِ وغيرهم من علماء التابعين ¤، وما أنزلَ الله القرآن إِلا لِيتَعَبَّد الخلقَ بتعرُّفِ معانيه وَتفهُّمِ مبانيه، وجَعَلَه على اللغة العربية الواردة على جميع أنواع البلاغة والمجاز من الاستعارة والتخييل وأنواع العلاقة بين المجاز والحقيقة، {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت ٤٣].
  الثالث: هو التأويل، وهو الصحيح؛ لئلا يلزمَ من عدمه أحدُ ما ذكرنا من التجسيم وإلحاقُ كلام الحكيم بالهذر، أو الترددُ والتشككُ فيما قد عُلِمَ انتفاؤُه