فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  وتنزيهُ الله عنه. وقد جعل الله القرآنَ على ضربين:
  مُحْكَم: وهو ما لا يحتمل التأويل ولا مانع من حمله على ظاهره، وهذا كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣}[الإخلاص]، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. مأخوذٌ من: حَكَمَةِ اللجام؛ لما كان يمنع من الذهاب إلى غير مراد الراكب.
  ومتشابه: وهو بخلافه، يعني يحتمل التأويل ومنع مانع من حمله على ظاهره، كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة ٦٤]، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص ٧٥]، ومن ذلك آيات الهدى والضلال والمشيئة والقضاء والقدر وأحاديثها، وأحاديث الشفاعة والإمامة المشعر ظاهرها دخول الظلمة والفساق. وَقَد قسم اللهُُ تعالى الكتاب العزيز إلى هذين القسمين: المحكم والمتشابه، وحكم بالزيغ - وهو الخروج عن الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال - على من اتبع المتشابه ورفض المحكم، فلا يمتنع مع ذلك قسمة السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام إلى هذين القسمين: المحكم والمتشابه، وأن حكم متبع المتشابه منها كحكم متشابه الكتاب، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}[آل عمران ٧] أي: المرجع لمعرفة ما أشكل معناه من غيره {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهي التي اشتبه المراد منها وقام الدليل القاطع من عقل أو نقل على خلاف ظاهرها، فيجب طلب محمل لها وتأويل يطابق المحكم عند إرجاعها إليه، فلا يصير بينهما حينئذ تناقض ولا تعارض. ثُمّ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، فحكم بالزيغ على من اتبع المتشابه، فدل ذلك على أنَّ حملَه على ظاهره محرمٌ لا يجوز. وقوله: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، منصوب على أنه مفعول لأجله، وهو يحتمل معنيين: