فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  وحملهم لها على هذه التأويلات لَمَّا لم يأنسوا بشيء من علوم البيان، ولا ولعوا بشيء من مصطلحاته، فجاءوا بهذه التأويلات الركيكة التي يأنف منها كلُّ مُحَصِّلٍ، ويزدريها نَظرُ أهلِ البلاغة.
  المجرى الثاني: [وهو](١) الذي عول عليه عُلماء البلاغة والمحققون من أهل البيان، وهي أنها جارية على نعت التخييل، فهي في الحقيقة دالة على ما وضعت له في الأصل، لكن معناها غير متحقق، وإنما هو أمر خيالي، فاليد مثلاً دالة على الجارحة، والعين كذلك، لكن تَحقُّق العين واليد في حق الله تعالى غير معقول، ولكنه جارٍ على نهج التخييل، كمَن يظن شبحاً من بعيد أنه رجل فإذا هو حجر، ومن يتخيل سَواداً أنه حيوان فإذا هو شجر، إلى غير ذلك من الخيالات.
  قلت: وهذا كلام جيد، إلا أن التمثيل فيه ما فيه، حيث قال: فإذا هو حجر، فإذا هو شجر؛ لأن انكشاف كونه شجراً أو حجراً ينبي عن الغلط الذي لا يعد من الفصاحة في ورد ولا صدر، فالأولى في التمثيل: كمَن يرى شبحاً من بُعد يعلم أنه ليس بإنسان، لكن لاح عليه شيء من أوصاف الإنسان، نحو امتداد قامته وهيئة رأسه، فأطلق عليه اسم الإنسان تخييلاً حيث كان خياله كخيال الإنسان، فقال لمن حوله ممن يعلم أنه ليس بإنسان: انظر إلى ذلك الإنسان، فاستعار تلك الهيئة والخيال وأراد بها معناها الحقيقي، ووضعه لذلك الشبح تجوزًا، وقد يرشحه بقوله: متى يأت، على أن الله ليس له خيال ولا هيئة فيغلط عليه بخلافها، وإنما المرادُ من هذا التمثيل إيضاحُ كيفية التجوز على طريقة أهل البيان والبلاغة.
  قال #: «فما هذه حاله من التأويلات أسهل على الفؤاد، وأحرى وأدخل في البلاغة من التأويلات البعيدة التي لا يعضدها عقلٌ ولا يشهدها بصحتها نقل».
  قال #: «ثم أثر عن هذيان الأشعرية أن المراد بهذه الأعضاء صفات أخبر
(١) ما بين المعكوفين من الطراز.