الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]

صفحة 239 - الجزء 1

  وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}: فالعلاقة المشاكلة ليشاكل كلمة اليد المقدرة الخاطرة بذهن السامع عند سماعه قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لما كان المخاطب لم يشاهد بناءً ولا صنعاً إلا باليد، وعبر عن حفظه للسفينة بقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} مشاكلة لكلمة العين المقدرة الخاطرة بذهن السامع لما كان لا يتم حفظ مثلها لأحد في الشاهد إلا بمتابعة إبصارها بالعين، الخ كلامه #.

  ويظهر من كلام الشيخ محمد بن صالح | مَا مَرَّ من حكايته، وهو أن المراد بذلك التخييل والاستعارة التمثيلية، وهو أفصح وأبلغ من تأويل أهل علم الكلام الذي اعتمده المؤلف #، أَلاَ ترى أن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} إِذا جَعلنا اليد بمعنى القدرة لَمَّا كانت محلاً لها في الشاهد يصيرُ المعنى ركيكا كذلك في هذه الآية؛ إذ يصير تقدير الآية: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله قدرة الله فوق قدرتهم، وينبني بعد هذا التقدير من المجازات التي لا حاجة لارتكابها: من أَنَّ الفوقية إنَّما تستعمل في المعاني تجوزاً، والقدرةُ في حقه تعالى مَجازٌ عن كونِه تعالى قادراً، والقدرةُ في حقهم مجازٌ عن الأيدي المصَافَح بها الرسول ÷، هذا إن جعلنا التقدير: قدرة الله فوق قدرتهم، وإن جعلناه: قدرة الله فوق أيديهم فالمعنى أرك والمسلك أضنك، بخلاف ما إذا أبقينا اليد على وضعها اللغوي وهي الجارحة، وجعلناها في حقه تخييلاً في ذهن المخاطب والسامع، وقصدنا بذلك التخييلِ المشاكلةَ للأيدي الحقيقية المصافِحةِ للرسول ÷ حال المبايعة له، وأردنا ترشيح الاستعارة التخييلية بإِثبات الفوق على أصل وضعه اللغوي بالتخييل كَان ذلك أبلغ من الوجه الأول في إثبات الحجة وتأكد اللزوم بوفاء تلك البيعة، وأفصح في الكلام وأثبت موقعاً في النفس، وأقرب في التجور، وأسرع إلى فهم كيفيته، وأدخل في النفس قبولاً له، ولجريه وصلاحيته في كثير من المواضع التي لا يراد بها ظاهرها، بخلاف الوجه الأول، فإنه قد يكون في بعض المواضع غير صالح ولا مستقيم؛