الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]

صفحة 243 - الجزء 1

  (: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ]}⁣[المائدة ١١٦] (فالمراد به تعلم سري وغيبي) أي: ما أضمرته وأسررت به (ولا أعلم سِرَّك وغيبك) أي: ما أخفيتَه وغيبته عني، فأتى بلفظ نفس الثانية ليشاكل بها نفس الأولى، وإن كانت النفس في حق عيسى # أريد به النفس الحقيقية، وهي العرض القائم بالقلب الداعي إلى الوسوسة وإضمار بعض ما خطر عليها وإظهار بعضه، ويدعو إلى تناول المشتهيات والمستلذات، والمنافسة للغير والمفاخرة والمكاثرة. وحاصل الكلام فيما بين النفس والعقل: أنهما يتفقان من جهة كون كل منهما عرضًا محله القلب، لا يجوزان على الله تعالى، وإنما هما من صفات الحيوان المحدث.

  قال السيد حميدان ¦: مثل حلول العقل فيه - أي: في القلب - كمثل حلول البصر في العين؛ ولذلك قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا(⁣١)}⁣[الأعراف ٤٦]، وقال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}⁣[الحج ٤٦]. ومثل حلول النفس فيه كمثل حلول الحرارة في النار؛ ولذلك قيل: إنها تَقْوى بالوسواس كما تَقْوَى النار بالحطب.

  قال⁣(⁣٢): واعلم أن وجهَ الحكمة في خلق العقل هو كونُه نعمة من أتم النعم، وحجةً من أبلغ الحجج، وكونُه هادياً إلى طريق النجاة.

  ووجهُ الحكمة في خلق النفس هُو ما فُطِرَت عليه مِن مَحَبَّة مَالاَ بد من إصلاحه مِن أمور الدنيا.

  ووجْهُ الحكمة في مقارنة النفس للعقل هُو مَا أرَادَه الله سبحانه في ذلك من الاختبار والامتحان.


(١) في مجموع السيد حميدان: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا}⁣[الأعراف ١٧٩].

(٢) أي: السيد حميدان.