الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]

صفحة 244 - الجزء 1

  هذا ما ذكره # في حقيقة العقل والنفس عند أئمتنا $ ومَن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، ثم حَكَى معناهما عند الفلاسفة وأهل التناسخ والمطرفية وغيرهم، ثم ذكر الفرق بين النفس والعقل من وجوه:

  أحدها: في التسمية والاشتقاق، فإن العقل من: عَقْل نَوَّاد الإبل⁣(⁣١)، والنفسُ مشتركة: بِمعنَى الذاتِ {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}⁣[النحل ١١١]. وبِمعنَى الروحِ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}⁣[الزمر ٤٢]. وبمعنى الدم، نحو ما في الشَّرع من طهارة ميتة ما لا نفسَ له سائِلةٌ. وبِمعنَى النَّفسِ المقارنة للعقل، وهي هذه التي الغرض ذكر الفرق بينها وبين العقل.

  وثانيها: اختلافهما في وقت الوجود؛ وذلك لأن الله تعالى جعل وجود النفس مقارناً لأول وقت وجود الحياة لأجل كون الحي من البشر مشتهياً ونافراً، والشهوة والنفرة من طبائع النفوس التي فطرها الله عليها؛ لما علم في البلوى بذلك من المصلحة والحكمة البالغة.

  وثالثها: اختلاف صفاتهما؛ لأن من صفات العقل كونه هادياً إلى الرشاد، ومميزاً بين الأضداد، من التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، وداعياً إلى مكارم الأخلاق، وإدراك الأحكام العقلية من التماثل والتخالف، والصحة والجواز، والوجوب والاستحالة، واللزوم وعدمه، وحسن تحمل الأحكام الشرعية، وحسن مكارم الأخلاق، وغير ذلك من محمود الخصال.

  ومن صفات النفس كونها كما قال تعالى: أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وموسوسة ومسوِّلة، وداعية إلى الحرص والجزع والهلع والشح والطيش، ونحو ذلك من مذموم الأخلاق.

  ورابعها: اختلافهما في النظر والاستدلال؛ وذلك لأن نظر العقل هو التفكر في الصنع من حيث هو حكمة ومفتقر إلى فاعل قادر عالم حي ونحو ذلك من


(١) بالعقال.