فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  نحو ما تقدم ذكره من بدع الفلاسفة وغيرهم، ويعلم به الفرقُ بين العالم والمتوهم. انتهى كلامه # مع بعض تصرف واختصار.
  قلت: ومن الوجوه التي يجتمع فيها العقل والنفس والتي يفترقان فيها هو أَنَّ عند إِدراك الحواس الخمس لِمَا تدركه من المسموع والمبصر والمشموم والمطعوم والملموس وغيرها يَقعُ تعلق العقل والنفس بتلك المدركات ونحوها، كحب الرئاسة والفخر، فالعقل والنفس يتفقان في التعلق، وهو الارتباط بتلك المدركات ونحوها، ثم يفترقان من حيث إنَّ النفسَ تدعو إلى كل ملائم للطبع، من غير فرق بين حُسن وقُبح وحل وحرمة وتعلق مدح وذم ونظر في العواقب، والعقلَ لا يدعو إلى شيء منها إلا ما كان على صفة الحسن وعدم مقارنة مضرة أو مفسدة أعظم من نفع المتناول ومصلحته العقلية(١)، وموافقة أمر الشارع في الحل والحرمة ونحوهما، ومجانبة ما يقع عليه الذم والعار عرفاً، وما عاقبته سوءٌ، ومِن ثمَّ قال أهل الحكمة: إن العقل والنفس يتنازعان فيما وقع فيه الاختلاف بين العقل والنفس، فمن غَلب عقلُه على نفسِه أُلحق بالملائكة $، ومَن غَلبتْ نفسُه على عقلِه أُلحِقَ بالبهائم، وأُس كل خير وأساسه الانقيادُ للعقل والزهدُ والصبرُ، وأُس كل شر الانقيادُ لهوى النفس والطمعُ والجزعُ.
  نعم، وقد عَرفْتَ أيها الطالب الرشاد أنَّ النفس تأتي على تلك الأربعة المعاني المذكورة عن السيد المحقق |، وأنَّ مِن معانيها هذه النفس المقارنة للعقل والمفارقة له فيما ذكر، وبذلك يعلم أن إطلاقها على الله تعالى لا يصح بهذا المعنى، وإنما المرادُ بها المشاكلة للنفس الحقيقية في قول عيسى #: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}، أو كناية عن العلم الواجب له تعالى، فالمشاكلة حينئذ مع التركيب؛ لأن علم الله لا يصح أن يقوم بنفس له تعالى كما قام بنفس الإنسان، والمعنى من
(١) يعني: نفعه العقلي. (منه ¦).