[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا
  احتياج ذاته تعالى عَنْ غيرِهم من الفرق.
  وقال الإمام القاسم #: خلافاً لِبعض أهل الملل الكفرية.
  ولَعلَّه يعني به ما روي عن فنحاص اليهودي لعنه الله تعالى ومن وافقه، فَإِنه لَمَّا نزل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} الآية [البقرة ٢٤٥] قَال: ما طلبَ القرضَ إِلا لأنه محتاج. وهو تَحَامُلٌ منه وَتَجار، وإلا فالآية واردة على سبيل التمثيل والمجاز، وفي تكذيبه نَزَلَ قولهُ تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ١٨١}[آل عمران ١٨١]. وقيل: إِنّ هذا القول إِنما صدر عن قائله عَلى جهة التهكم بالقرآن والتوَّصل إلى إبطاله بِإلزام الحاجة على الله تعالى، من دون اعتقاد قائله أن الله تعالى ذو حاجة.
  قلت: وبهذا الكلام يجمع بين كلامي الإمامين @.
  نعم، وقد عُلِمَ أنه لا مخالف من أهل القبلة في كونه تعالى غنيًّا، لكنه يَلزَمُ أهل الجبر القائلين بالمعاني أَنَّ الله تعالى محتاج إليها؛ لأن عندهم أن لولا هي لَمَا كان تعالى قادراً عالماً حيًّا سميعاً بصيراً مريداً كارهاً متكلماً، لَمَّا جَعلوا صفاته سبحانه وتعالى المذكورةَ ثابتةً لِأجل المعاني التي زعموها، وقالوا: إنها قديمة قائمة بذاته تعالى؛ فلا يكون على قولهم غنيًّا؛ إذ قد احتاج إليها أبلغ الاحتياج. قال القرشي: وذلك أبلغ من احتياج الحي إلى الطعام والشراب ونحوه. وقد مر إبطال كلامهم بما فيه كفاية.
  واعلم أن هذه المسألةَ من أهم المسائل وأعظمها نفعاً؛ لأن صحة السمع وجميع مسائل العدل والنبوة والوعد والوعيد متوقفٌ على العلم بها وعلى العلم بمسألة عالم؛ ولذلك كان حكمُهما حكمَ مسألة إثبات الصانع في أنه لا يصح الاستكفاء في الاستدلال عليهما بالسمع اتفاقاً؛ لتوقف العلم بصحته على العلم