[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا
  بكونه تعالى عالماً بقبح القبيح، وكونه غنياً عن فعله، فَيُعلمُ بعد ذلك أنَّه تعالى لا يكذب، فينتج العلمُ بصحة السمع وجميع الكتب والنبوات وما يترتب عليها من الوعد والوعيد والشرائع، فينبغي حينئذ تحرير أدلتها العقلية، وتقرير براهينها اليقينية، وفي المسألة أدلة اعتمد المؤلف # أحدها - وسنذكر بعد حكاية كلامه ما سنح منها - وينسب تحرير هذا الدليل إلى أبي علي الجبائي والله أعلم، وتحريره على ثلاثة أصول:
  الأصل الأول أشار إليه # بقوله: (لأن الحاجة لا تجوز) بمعنى لا يصح فرضها وتقديرها (إلا على من جازت عليه المنفعة والمضرة واللذة والألم) وحقيقة المنفعة: هي اللذة والسرور أو ما أدى إليهما أو إلى أحدهما. وحقيقة المضرة: هي الألم والغم أو ما أدى إليهما أو إلى أحدهما. وحقيقة اللذة: هي المعنى المدرك بمحل الحياة فيه مع الشهوة. وحقيقة الألم: هو المعنى المدرك بمحل الحياة فيه مع النفرة.
  (و) بهذه الحدود والحقائق عُلمَ أن (هذه الأمور لا تجوز إلا على من جازت عليه الشَّهوة والنَّفرة) وحقيقة الشَّهوة: هي حركة النفس طلباً للملائم. وحقيقة النَّفرة: هي حركة النفس دفعاً للمضرة. فثبت الأصل الأول، وهو أن الحاجة لا تجوز إِلا على مَن جَازت عليه المنفعة الخ.
  وأمَّا الأصل الثاني فقد أشار إليه المؤلف # بقوله: (وهما) يعنى الشهوة والنفرة (لا يجوزان) وكان الأولى في العبارة أن يقال: وهذه الأوصاف لا تجوز (إلا على الأجسام) الحيوانات، ثم أخذ # في تحقيق هذا الأصل وتقريره بقوله: (فَيَسْتَرّ الجسمُ بإدراك ما يشتهيه وَيلْتَذُّ به، وَينْمُو ويزداد) في أغلب الأحوال (بتناوله) وإنما قلنا: «في أغلب الأحوال» ليخرج الجِمَاعُ ونحوه مما يلتذ به مع أنه ينقص بتناوله (ويغتم بإدراك ما يَنْفُر عنه ويتضرر به، وينقص)