[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا
  في أغلب الأحوال (بتناوله) ويخرج بقولنا: «في أغلب الأحوال» تناول الأدوية المنافرة ونحوها مما يَنفرُ الطبعُ عنه ويزداد الجسم بتناوله. فثبت الأصل الثاني وهو أن هذه الأمور لا تجوز إلا على الأجسام.
  وأمَّا الأصل الثالث فقد أشار إليه المؤلف # بقوله: (وقد ثَبتَ) بما مرَّ من الكلام في الفصل السابق (أَنَّه تعالى ليس بجسم، بل هو خالق الجسم) فلَو فُرض عليه تعالى جوازُ الحاجة والمنفعة والمضرة لَكان جسماً (فكيف) يكون جسماً و (يخلق) جسماً (مثل ذاته، أو تشاركه الأجسام) إِنْ قدرنا عليه الحاجة، فَتشاركه الأجسام حينئذ (في) شيء من (صفاته) وهو الاحتياج، بل يَلزمُ من ذلك الاشتراكُ في جميع الصفات؛ لأن الاشتراكَ في شيء من صفات الذات يُوجبُ الاشتراك في سائر صفات الذات كما تقدم تقريره مراراً. فَثبت الأصل الثالث وهو أنه تعالى ليس بجسم، وَبِثبوتِه مع الأصلين الأولين ثَبت أَنَّه تعالى غني عن غيره ليوجدَه تعالى أو ليجعلَه على صفات الكمال، أو ليتناولَ منه ما يتناولُه الجسم الحي من المنافع ودفع المضار (بل لا يجوز عليه تعالى شيء من ذلك).
  ولا يخفى أنَّ هذا الدليل المذكور إنما يَتناولُ استغناءَه تعالى عمَّا يتناولُه الحي من جَلب نفعٍ أو دفع مَضرةٍ، دون استغنائِه تعالى في وجود ذاته وكمال صفاته، فالدليل غير متناول لذلك بالصراحة، بل باللزوم مِن كونه تعالى ليس بجسم فَتأمل، وَلَكِن يُمكن الاعتذارُ بِأَنَّ ما ذُكِر قد عُلم مِمَّا مَرّ أنه تعالى قديم، وأنَّ صفاته تعالى ثابتة له لذاته لاَ لِأَمر زائد على ذاته، فلَو ذكرها هنا لَكان غير لائق بالاختصار. والدليلُ الذي يَشمل استغناءَه تعالى في جميع ما ذُكِر هُو مَا ذَكره شَيخُنا ¦ في السمط بقوله: دليل: مَن صَحَّ وجودُه ولا شيءَ معه فَهو غني. فَهذا كما تَرى مِن أَفْصَحِ الكلام وأبلغه وأوجزه، مع شموله وإيجابه غناه سبحانه وتعالى عن كل شيء، وتقريره على أصلين: