[خطبة المؤلف]
  العلم، والمراد أولي(١) العلم بصحة تلك الشهادة؛ لأن العاَلِم وإن تبحر في سائر فنون العلم مع تقصيره في هذا الفن الشريف فليست شهادته إلا كشهادة غيره من العوام، بل قد يكون العامي أسلم منه؛ لعدم اطلاعه على ما يقدح في الاعتقاد الصحيح من المذاهب المتعارضات، والتمسكات التي اعتمدها أهل الضلال والآيات المتشابهات، والأحاديث المضطربات والموضوعات، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر ٢٨]، وهذه الآية كالتي قبلها في أن المراد العلم بالله وما يحق له من الصفات الإثباتية والنفيية التي تنتج معها الخشية كل الخشية من الله تعالى، من أنه تعالى قادر على كل شيء، وعالم بكل شيء، مع تحرير الأدلة القطعية على ذلك، ومنه ينتج العلم بأنه تعالى قادر على إعادة المكلَّف إلى عرصة المحشر، وعالم بجميع أعماله، وأنه صادق فِيما أَخبر به على ألسنة رسله وأنبيائه وسائر حججه على خلقه من الثواب لمن أطاع، والعقاب لمن عصى، وأنه عدل لا يكذب، ولا يعذب أحداً إلا بذنبه، ولا يثيبه إلا بعمله، وأنه حكيم لا يخلق الفساد ولا يريده من العباد، وأنه لا شفاعة ولا ناصر ولا مفر لأعداء الله منه؛ فَعِنْدَ العلم بجميع ذلك تحصلُ الخشيةُ من الله تعالى، وتتفاوت الخشية على قدر تفاوت العلم وقوته وضعفه بتلك المعارف وما يدل عليها، وقد أَشَارَ ÷ إلى هذا المعنى - بل صرَّحَ - فيما أخرجه الإمام الموفق بالله # عن أنس، قال ÷ لما جاءه سائل قال: يا نبي الله، علمني غرائب العلم، قال: «أعلمك رأس العلم خير لك، تعرف الله حق معرفته، وتستعد للموت قبل نزوله»، فقال: زدني، فقال: «حسبك، إن عرفت الله حق معرفته لم تعصه». وأخرج ولده الإمام المرشد بالله @، والحافظ بن عقدة ¦ عن علي # في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، قال: «أعلم
(١) الصواب «أولو».