الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا

صفحة 259 - الجزء 1

  أحدهما: أن الله تعالى قد صح وجوده ولا شيء معه. وهذا الأصل هو المسمى عند المناطقة بِالمقدمة الصغرى، وقد تحذف كثيراً إِذا كانت معلومةً؛ ولذلك لم يذكره.

  والأصلُ الثاني قولُه: ومَن صَحَّ وجودُه ولا شيء معه فَهو غني. وهذا معلوم بأدنى تأمل إن لم يكن ضرورياً.

  دَلِيلٌ: اعتمدَه مع الدليل السابق المؤيدُ بالله، وحكاه شيخنا | في الحاشية عن الإمام المهدي والقاسم @ وغيرهم، قال: ونسبوه - يعني تحريره - إلى ابن عباس، وهو أنه لَو كان تعالى مشتهياً لَكان مشتهياً بذاته، فيكون مشتهياً لكل المشتهيات، كَمَا أنَّه لَمَّا كان عالماً وقادراً بذاته كان عَالماً وقادراً بكل المعلومات والمقدورات، فَكان يلزمُ وجودُ المشتهيات كلِّها دفعة واحدة لاشتهائها بها كلها مع قدرته عليها، وفي علمنا بعدم وجودِها دفعةً دلالةٌ على كونه مستغنيًا عنها.

  دَلِيلٌ: ذَكرَه الإمامُ القاسم # في الأساس، وهو أنَّ الله تعالى لم يجبر العصاة على فِعل الإيمان والطاعات مع قدرته على ذلك؛ ما ذاك إلا لغناه تعالى.

  وهذا الدليلُ لاَ يتناولُ إلا غناه تعالى عن إيمان الخلق وطاعتهم، وهو في معنى قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}⁣[يونس ٩٩]، {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}⁣[إبراهيم ٨].

  دَلِيلٌ: ذَكَرهُ الشيخ محمود الملاحمي، وهو أَنْ يُقال: إِنَّ إثباتَ كونه تعالى مشتهياً إثباتُ ما لا طريق إليه، وإثباتُ ما لا طريق إليه لا يجوز. فَثبت أنَّ الله تعالى غَنِيٌّ لم يزل ولا يزال، ولا تَجوزُ عليه الحاجةُ إلى شيء بحال من الأحوال.