[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  يُرى، الذي هو جواب طبق السؤال، فتركه وعدل عنه إلى قوله: فقل: «هذه مقالة الفجار، وهي باطلة عند أولي الأبصار» إيذاناً وإعلاماً بأن هذا أمرٌ قد فرغ من العلم به؛ إذ المعلوم بدلالة العقولِ أن الرؤية لا تصح على غير الجسم أو العرض، وقد قَدمنا ما يفيد العلم أَنه تعالى ليس بجسم ولا عرض، فَلا تصح رؤيته بحال؛ فتجويز رؤيته إِما مع التجسيم والتكييف فَذلك من أكفر الكفور، وإِما مع عدم ذلك فَالقول في نفسه غير معقول؛ لما يشتمل عليه من التناقض المحال، فيكون هذا القول نوع من الفجور؛ لأن الفجور نقيض الصدق وليس بصدق لتناقضه، ثَّم اخْتصَر الردَّ على الفريقين: المجسمة والأشعرية، وغيرهم ممن يُثبتُ الرؤيةَ كضرار بنِ عمرو في قوله: إنه يُرى في الآخرة بحاسة سادسة - بِقَولِه: هذه مقالة الفجار الخ.
  فَهذا ما يتعلق بكلامه # في هذه الفقرة اليسيرة من البلاغة والفصاحة الراجعة إلى المعنى، فأما ما يرجع إلى اللفظ فذلك ظاهر لمن له ذَوقٌ سَلِيم ولب مُسْتَقِيم، وعَقْلٌ غيرُ مُنحرف عن الآل سقيم، وذلك في جَزالةِ اللفظ، وحُسنِ الألفاظ؛ لسلامتها عن التعقيد والتنافر، واشْتمالِها عَلَى الجِنَاس التام والمطرَّف الذي هو من أجل أنواع البديع، وعلى السجع الكامل الذي هو كذلك من أجل أنواع البديع، وعَلَى التقابلِ بين الفجار وأولي الأبصار، وهو من مقابلة النقيض بما هو شبه النقيض ولازمه، وكونِ فِقَر السجع وفواصله في ذاته واقعةً على جهة التوسط بين القصر والتطويل اللَّذَين ربما يَصير السجعُ معهما غيرَ مدرك إِلاَّ مع التأمل. وإسناد الرؤية إلى الأبصار لنكتتين:
  أحدهما: التلميح إلى الآية الكريمة التي هي عمدة الدلالة السمعية في المسألة، وهي قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}[الأنعام ١٠٣].
  وثانيهما: الإيماء والإشارة إلى أنه تعالى يُرى بالقلوب الرؤية العلمية اليقينية، كما قال أمير المؤمنين #: (لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، بل تدركه