[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  الله تعالى ليس بجسم ولا عرض، وأَنَّ الرؤية إنما تصح عليهما، لَكِن لِعظمِ الخلاف والتعسف في تلك الأطراف من أولئك الأجلاف أَخَذَ # في الاستدلال على القول الحق بقوله: (لأنه) تعالى (لو رُئي في مكان) كما تقوله المجسمة (دَلَّ ذلك على حدوثه) سبحانه وتعالى عن ذلك (لأن ما حواه المكان) لا شك ولا ريب أنه (محدود مُحدَث) وقد ثَبَت أنَّ الله تعالى قديم؛ فلا يصح القول بذلك.
  (فإن قيل: إنه) تعالى (يُرى في غير مكان) كما تقوله الأشعرية، حيث قالوا: يُرى بلا كيف. ومِن جملة الكيف المكان، فَنَفَوا الرؤيةَ في المكان تبعاً لِنفي الرؤية التي بالكيف، وأثبتوا رؤية بلا كيف ولا مكان (فهذا) قول (لا يعقل) وكل قول لا يعقل يجب رده، ولا يجوز القول به؛ لأنه يفتح باب الجهالات وتجويز المحالات، ولَمَّا كان المعلوم أن لا رؤية إلا بكيف كما أشار إليه الإمام شرف الدين # بقوله:
  وتَكَيُّفُ المرئِي أمرٌ لازمٌ ... فتبين القولَ الصحيحَ من السَّفَهْ(١)
(١) هذه القصيدة للعلامة أبي القاسم جارالله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفى سنة (٥٣٨) من تفسير قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف ١٤٣]:
لِجماعة سموا هواهم سنة ... وجماعة حُمُر لعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه!
فأجاب عليه العلامة نَاصرالدين أحمد بن محمد بن المُنير الإسكندري المالكي المتوفى سَنة ٦٨٣ هـ:
وجماعة كفروا بِرؤية ربهم ... حقاً ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا: أجل ... عدلوا بربهمو فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم ... إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
وأجاب عليه أيضاً بعض الجبرية:
عجباً لقوم ظالمين تلقبوا ... بالعدل ما فيه لعمري معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه ... تعطيل ذات الله مع نفي الصفه =