[خطبة المؤلف]
  الناس بالله أشدهم خشية»، وأخرجا أيضاً عن زيد بن علي @ في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، قال: «على قدر منازلهم في العلم بالله شدة خشيتهم»، وأخرج الدارمي في مسنده عن عطاء قال: قال موسى: يا رب، أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه، قال: يا رب، أي عبادك أغنى؟ قال: أرضاهم بما قسمت له، قال: يا رب، أي عبادك أخشى لك؟ قال: أعلمهم بي. دل ذلك على فضل هذا العلم وشرفه على سائر العلوم.
  وقد استدل على فضله بوجوه أُخَرَ:
  أحدها: أن العلم يشرف بشرف معلومه، ولا أشرف من معلوم هذا العلم؛ لأن معلومه هو الله تعالى، وعدله وحكمته، وأنبياؤه، ووعده ووعيده.
  ثانيها: عظم نفعه، ولا نفع أعظم من نفع هذا العلم.
  ثالثها: عظم الخطر في الجهل به، ولا أعظم خطراً من الجهل بالله تعالى وأنبيائه ونحو ذلك.
  ورابعها: خساسة ضده، ولا أخس من الجهل بالله تعالى ونحو ذلك.
  خامسها: استغناؤه عن سائر العلوم، وافتقار سائر العلوم إليه.
  ولا شك أن هذا العلم لا يحتاج إلى غيره من سائر العلوم، فأما هي فإنها تحتاج إلى هذا العلم احتياج الفرع إلى ثبوت أصله؛ لأنها إنما احتيج إلى معرفتها ليتمكن المكلَّف بمعرفتها من معرفة الأحكام الشرعية، ولا يحسن الكلام في الأحكام الشرعية إلا بعد معرفة الشارع وصدق المبلغ، دليله إجماع الأمة على عدم صحة عبادة الكافر حتى يسلم؛ لأنه مخاطب بما هو أهم، وهو الإسلام المتضمن للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وصدق المعاد وما جاء به الرسول ÷ ضرورة كالواجباتِ والمحرمات القطعية، قال السيد الهادي #: فصارت منزلة هذا العلم من سائر العلوم بمنزلة الإمام من المؤتمين؛ من حيث إنه حاكم على جميعهم، ولا يحكم عليه أحد منهم.