الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 293 - الجزء 1

  الْمُرْسَلُونَ}⁣[النمل ٣٥]، وقال الشاعر:

  وكنا ناظريك بِكُلِّ فَجٍّ ... كما للغيثِ تُنْتَظَرُ الغمامُ

  وهو شائع كثيرٌ، أوْ أَنَّ {إِلَى} بمعنى النِّعمة، واحدةُ الآلاء.

  واللقاء لا يستلزم الرؤية، يقال: لقي الضريرُ الأمير، وقد قصروها على المؤمنين، فلو كان يدل على الرؤية لناقض ذلك قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}⁣[التوبة ٧٧].

  وحكي أن رجلاً من مشيخة الأشعرية ركب سفينة فقعد وحوله جمع ممن فيها يحدثهم أن الرؤيةَ ثوابٌ خاص للمؤمنين؛ لقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}⁣[الأحزاب ٤٤] وكان قائماً في تلك الحال أحد شقاة السفينة يَسمعُ ذلك التحديث، فَقال: أيها الشيخ، أتقول إِن الرؤيةَ ثواب؟ قال: نعم. قال: وتقول: إِن اللقاء يَدل عليها؟ قال: نعم. قال: فما تقول في قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ} الآيةَ، فَرفعَ رأسه فَنظرَ رجلاً لا يتأتى منه هذا الاستنباط البديع فَقال له: مَن أخبركَ بهذا؟ فقال: سمعته من شيخ ببغداد يقال له: أبو علي الجبائي، فقال: قاتله الله، لقد بَثَّ الاعتزال في البر والبحر.

  فانْظر إلى انقطاعِ حُجَّةِ هذا المحتج كيف لم يجد سوى هذه المقالة الدالة على بطلان وانقطاع مَا في يده.

  وقوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} كنايةٌ عن الاستهانة بهم، ومحجوبون عن رحمته، كقوله تعالى: {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}⁣[البقرة ١٠٢] {وَلَا يُكَلِمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}⁣[آل عمران ٧٧]، ونحو ذلك.

  قالوا: قال ÷: «سَترون ربكم كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته».

  قلنا: معارضٌ بأكثرَ منه وأصرح دلالة وأعدل رواية كَما مر نَقلُ ذلك، ولانعقاد إجماع العترة الطاهرة شُموس الدنيا وشفعاء الآخرة على عدم رؤيته